للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ: للتخيير، معناه إذن يكون نحن مُخَيَّرين بين أن نقتلهم ونصلبهم أو ننفيهم من الأرض، وهذا لا يمكن أن تأتي به الشريعة؛ أن يكون التخيير بين شيئين مختلفين اختلافًا كبيرًا، وليس الغرض من ذلك التخفيف على المكلَّف، ليس هذا كفارة لحق الله حتى نقول: إن (أو) للتخيير، ولكنها عقوبات، والعقوبات تقتضي الحكمةُ أن تكون مناسبة للجريمة، ما يمكن تكون عقوبات مختلفة في شدتها لجريمة واحدة.

على كل حال العلماء اختلفوا في هذه الآية؛ منهم من يرى أن (أو) هنا للتنويع، فلكل عقوبة جريمة، {يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} هذه لجريمة، {تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} هذه لجريمة أخرى أقل من الأولى، {يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} لجريمة ثالثة أقل مما قبلها.

ومنهم مَن يرى أن (أو) للتخيير، والذين يرون أنها للتخيير يقولون: إن هذا التخيير ليس تخييرَ تَشَهٍّ، ولكنه تخييرُ مصلحةٍ، فيجب أن تُنَزَّل عليهم هذه العقوبات بحسب المصلحة، إن رأى الإمام أن جزاءهم القتل والصلب فليفعل، إن رأى أن جزاءهم دون ذلك فليفعل، وهذا قد يكون فيه مصلحة في بعض الأحيان، وقد يكون فيه مَضَرَّة أكبر من مصلحته؛ لأن الحاكم الذي يوثَق به في مراعاة المصالح -لا سيما في زماننا هذا- يكون قليلًا أو معدومًا، فلذلك تنزيلها -ولا سيما في هذا الوقت- على أن تكون أو للتنويع أولى من أن تكون للتخيير.

التنويع الآن في الآية الكريمة: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا}، وظاهر الآية الكريمة أن القتل وحده، والصلب وحده، ولكن المعروف عند أهل العلم أن القتل مع الصلب، ولا يمكن أن ينفرد الصلب وحده؛ لأن الصلب في اللغة العربية معروف أنه إنما يكون بعد القتل، وعلى هذا فيكون (أو) هنا وإن كانت للتنويع لكنها لا تنفرد وحدها، يصير {يُقَتَّلُوا} هذا قتل بلا صلب، {يُصَلَّبُوا} تدل على قتل وصلب، تكون هذه عقوبتان.

<<  <  ج: ص:  >  >>