للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن الصحيح في هذه المسألة أن نقول: إذا كان في الإنسان قوة ويغلب على ظنه القدرة على ذاك الصائل، فإنه يجب عليه أن يدافع، لا من أجل احترام المال فحسب، ولكن من أجل احترام الأمن أيضًا؛ لأنك إذا لم تدافع وتسَلط هذا الصائل على مالك فإن هذا سوف يغيره بالتسلط على غيرك، وحينئذ تكون أنت المتسبب بإغراء هذا المجرم على جريمته.

فإذا كان فيك قدرة يغلب بها على الظن أنك ستمنعه وتقضي عليه فإن الواجب عليك أن تدافع احترامًا لمالك، واحترامًا لأمن غيرك، وبهذا التفصيل يكون الجمع بين القولين وبين الأدلة أيضًا.

وأما القول بأنه لا يجب حفظ المال عن الضياع فهو ضعيف جدًّا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال، والله تعالى يقول في الأموال إنه جعلها قيامًا لنا، فما جُعِلَ قيامًا لمصالح ديننا ودنيانا كيف يجوز لنا أن نفرط فيه وأن نضيعه.

الصواب أنه لا يجوز للإنسان أن يضيع ماله، بل يجب عليه حفظه من الضياع، ولكن دفع الصائل ليس خالصًا في كونه دفاعًا عن ضياعه؛ لأن الصائل سينتفع به، ليس ضائعًا المال، لكن دفع الصائل من أجل الحرمة؛ حرمة الإنسان وماله، ولهذا قال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن جاءني رجل يريد أن يأخذ مالي؟ قال: «لَا تُعْطِهِ»، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: «قَاتِلْهُ»، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: «فَأَنْتَ شَهِيدٌ»، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: «هُوَ فِي النَّارِ» (٩)، فالحاصل أن التفصيل في هذه المسألة أولى من الإطلاق.

فالمسألة فيها قولان: وجوب الدفع مطلقًا، وعدمه مطلقًا؛ وهو المذهب، والصواب أنه إذا كان الإنسان يغلب على ظنه أنه قادر فإنه يجب الدفع.

<<  <  ج: ص:  >  >>