وقال بعض العلماء: إن الإمام مُخَيَّر بين الأربعين والثمانين؛ إذا كان الناس لا يشربونه كثيرًا فأربعون، إذا كانوا يشربونه كثيرًا فحَدُّه ثمانون، وهذا القول يجمع بين القولين؛ لأنه ما رفعه عمر رضي الله عنه إلا حين كَثُر الناس في شربه، فيكون في هذا جمع بين القولين، وهذا فيما أظن اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
فالذين يقولون: إنه حد الآن صاروا ينقسمون إلى ثلاثة أقسام؛ قسم يقول: إنه لا يتجاوز به الأربعين؛ لأن ذلك المعروف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر، والثمانون طارئة على إجماع.
والذين يقولون: إنه ثمانون، يستدلون بفعل عمر، ويقولون: إن عمر رضي الله عنه له سُنَّةٌ مُتَّبَعَة، وأن ما قبل عهده ليس صريحًا في التحديد، ولهذا الذين جُلِدُوا في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام قام الناس إليهم منهم مَن يضرب بثوبه، ومنهم من يضرب بالجريد، ومنهم من يضرب بنعله، فلم يكن هناك تحديد بَيِّن، بدليل الناس كلٌّ يضرب، ولكنها نحو أربعين.
والذين قالوا: إنْ كَثُر الناس فثمانون، وإن قَلَّ شربها بين الناس فأربعون، هؤلاء جمعوا بين الحالين؛ حال الناس على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وأول خلافة عمر، وحال الناس بعد ذلك، وجمعوا بين السُّنَّتَيْن في الواقع؛ لأن سُنَّة عمر واضح سببها، وهو كثرة شربها.
ولكن هناك قولًا آخر، وهو القسيم لهذه الأقوال؛ أن عقوبة شارب الخمر تعزير، لكنه لا تُنْقَص عن الأربعين؛ لأن أقل ما حصل أربعون، واستدلوا لذلك بأدلة، منها: أنه لو كانت عقوبة شارب الخمر حَدًّا ما أمكن لعمر ولا غيره أن يزيده، أليس كذلك؟
لو زاد الناس في الزنا مثلًا هل لأحد من الخلفاء أو من الفقهاء أن يزيد حد الزاني على مئة جلدة؟ لا، إذن لو كانت عقوبة شارب الخمر حَدًّا ما أمكن لعمر ولا لغيره أن يزيده، هذه واحدة.