الدليل الثاني أنه لما كثر شربه في الناس في عهد عمر جمع الصحابة واستشارهم، فقال عبد الرحمن بن عوف: أَخَفُّ الحدود ثمانون، فجعله عمر ثمانين (١٥)، فقول عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانون، يدل على أنه ليس بحد؛ لأن الحدود اللي يقول: أخفها ثمانون، ويش يعني بأي حد هو ثمانون؟ القذف، فعُلِمَ أن ما دون القذف ليس بحد، يعني ما دون الثمانين ليس بحد.
وقد اتفق البخاري ومسلم (١٦) وغيرهما على أن الناس يعاقَبون على شرب الخمر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر يعاقَبون عليه بأيش؟ بأربعين جلدة، لو كانت الأربعون حدًّا لكان أخف الحدود أربعين.
الدليل الثالث: ما ثبت في البخاري (١٧) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: ما كنت لأقيم على أحد حَدًّا فيموت فأجد في نفسي إلا شارب الخمر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَسُنَّه، يعني: يقول: إني لو أقمت حدًّا على إنسان فمات فإني لا أجد في نفسي من هذا شيئًا، ويش السبب؟ لأنه مات بحد، والحد حق، وكما قال الفقهاء: مَن مات في حد فالحق قتله، إلا شارب الخمر، قال: فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَسُنَّه، وهذا نص صريح من علي بن أبي طالب في أنه -أي عقوبة شارب الخمر- ليست بحد؛ لأن معنى (لم يسنه) يعني: لم يتخذ فيه طريقًا محددًا لا يُزَاد ولا ينقص.
وبهذه الثلاثة الأدلة يتبين لنا أن عقوبة شارب الخمر ليست بحد.
فإذا قال قائل: قولكم هذا فيه مفسدة عظيمة؛ لأنه يوجِب أن يتتايع الناس في شرب الخمر؟