فالجواب أن الأمر بخلاف ذلك؛ لأن قولنا هذا يقتضي أننا إذا رأينا أن من المصلحة أن نزيد على ثمانين يجوز لنا ولَّا لا؟ يجوز لنا، لكن لو قلنا: إنه حد، ما جاز أن نتجاوزها لو يشربها في البيت عشرة من أحد عشر، لكن هذا القول الذي نقول به هو الذي تقتضيه المصلحة، وهو أنه إذا رأى الحاكم -وطبعًا إننا نعني بالحاكم الحاكم الذي يحكم بالشرع لا بالهوى، يحكم بالهدى لا بالهوى- إذا رأى أنه يقرِّر أن شارب الخمر يعاقَب بمئة جلدة أو مئتين، ويزيد على ذلك مثلًا حبسًا أو ما أشبه ذلك فإن هذا لا بأس به.
أما أن يقال مثلًا: يُجْلَد ثمانين جلدة أو أربعين جلدة، ولا سيما أنه قد تكون الجلدات أيضًا ليست بشيء؛ لأني أسمع بعض الناس إذا جُلِدَ يقف يضربونه بالسوط يسلتونه سلتًا، بحيث إنه حتى الثوب نفسه ما يحس بالضرب، فهذا حرام ولا يجوز، ولا يؤدي إلى مصلحة، ولهذا نسمع أن بعض المجلودين إذا انتهى ركب سيارته وفَحَّط على الشرطة، تَحَدٍّ يعني.
كل هذه من الأمور التي يجب على الناس إذا ضعف الإيمان أن يقوى رادع السلطان، وهذه القاعدة مأخوذة من سياسة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إذا ضعف الإيمان فيجب أن يَقْوَى رادع السلطان؛ لأن عمر لما كثر شرب الناس لها، معناه أن الإيمان ضعف عند هؤلاء، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:«لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ»(١٨)، لما ضعف الإيمان عند هؤلاء ماذا صنع عمر؟ زاد في ردعهم، ولما كثر الطلاق الثلاث في عهده أمضاه عليهم حتى يكون فيه ردع لهم، حيث تَعَجَّلُوا ما جعل الله لهم فيه أناة.
فالحاصل أنه يجب أنه إذا ضعف وازع الإيمان أن يقوى رادع السلطان، وأما أن يضعف هذا وهذا فإنه فساد للأمة، نسأل الله السلامة.