وقد صنف شيخ الإسلام ابن تيمية كتابًا سماه الصارم المسلول في تحتم قتل شاتم الرسول، مجلدًا كبيرًا، وبين الأدلة على ذلك، وأن الصحابة اتفقوا على قتله ولا ريب أنه إذا سب الرسول عليه الصلاة والسلام سبًّا شخصيًّا يتعلق بشخصه، لا ريب أنه يكفر، وأنه إذا تاب قتل حدًّا؛ لأن السب هنا مُنصب على الرسول شخصيًّا كما لو سب هو ( ... ) بالفسوق والفاحشة، وما أشبه ذلك، أما إذا سبه بما يتعلق بالرسالة والديانة فإنه قد يقال: إنه تقبل توبته؛ لأنه هنا مغلب جانب حق الله؛ لأنه سبه من أجل أنه رسوله، أما لو قال: إنه شاعر، كلمة شاعر هذه سب ولَّا غير سب؟
طلبة: سب.
الشيخ: بالنسبة للرسول وللرسالة سب، لكن بالنسبة للمعنى العام ليست بسب فإن الشعراء منهم المؤمنون الذين يفعلون ما يقولون.
فالمهم أنه لو قيل بأن يفرق بين مَنْ سب الرسول عليه الصلاة والسلام في أمر يتعلق بالرسالة فإن هذا تُقبل توبته؛ لأن هذا السب يَنصبُّ على الدين الذي هو دين الله عز وجل، وليس دين محمد صلى الله عليه وسلم، وبين أن يسبه لشخصه، ففي الثانية يقتل ولو تاب، وفي الأول إذا تاب لا يقتل كما لو قال: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم ليس برسول، ولكنه شاعر، شاعر سحر الناس ببيانه، ثم رجع، وقال: أشهد أنه رسول الله حقًّا، وأن ما جاء به فهو وحي، فهنا شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام لم تتأثر به؛ لأنه ما وصفه بأمر يعود إلى شخصه لو قيل بهذا لكان فيه جمع بين القولين، قول من يقول: إنه إذا تاب من سب الرسول صلى الله عليه وسلم، وقبلنا توبته فإنه لا يقتل، وقول من يقول: إنه يقتل، ولو قبلنا توبته، فإذا قلتم: ما هي فائدة القول بقبول توبته مع وجوب قتله؟
قلنا: الفائدة الإصلاح، ولأنا إذا قلنا بقبول توبته قتلناه مسلمًا، قتلناه وهو مسلم يُغسل ويُكفن، ويُصلَّى عليه، ويُدفن مع المسلمين، ويُورث بخلاف ما إذا قلنا بعدم قبول توبته.