للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا كان مبرزًا في العدالة، ووُجِدَتْ قرائن تدل على صدقه فإن شهادته مقبولة؛ لأن الشروط موجودة والموانع مفقودة هنا، وليس عندنا نص شامل يقول: إن الوالدين أو الأولاد لا يشهد بعضهم لبعض، ما عندنا نص، وإنما عندنا عمومات واحترازات في الشهادة، فإذا قُدِّر أن هذا الوالد شهد لولده في أمر دلت عليه القرينة، والوالد معروف بالعدالة التامة، فما المانع من قبول شهادته؟ ألا يدخل في قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢]؟ هذا عدل، ولم يوجد مانع يرد شهادته، بل وُجِدتْ قرائن تؤيد شهادته، لكن المعمول به الآن هو رد شهادة الأصول والفروع بعضهم لبعض مطلقًا، وإنما ردوها؛ لأن تحقيق المناط في المسألة صعب؛ لأن العلم بظاهر هذا الرجل وباطنه وأنه مبرز في العدالة أمر يشق، ثم إنه يفتح لنا باب الفوضى؛ يأتي رجل يشهد لولده في قضية فنحكم بشهادته، ويأتي بعده رجل يشهد لولده في قضية فنمنع شهادته؛ لأن الأول دلت القرائن على صدقه، والثاني لم تدل، حينئذ يحصل التباس بين الناس، ويعزون القضاة إلى أي شيء؛ إلى الجور والجنح، ويقولون: قَبِلَ شهادة فلان لابنه، ورد شهادة فلان لابنه، هل يمنع هذا المانع الشهادة على الشخص ولّا لا؟

طالب: ( ... ).

الشيخ: أو عليه.

طالب: له.

الشيخ: إي نعم، له؛ لأن له هي محل التهمة، أما عليه فإنها ليست محل تهمة، بل قد قال الله تعالى: {وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينْ} [النساء: ١٣٥] {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ}، ومن المعلوم أنه يبعد غاية البعد أن يشهد الوالد على ابنه وهو كاذب، لكن يشهد لابنه وهو كاذب، ممكن أما أن يشهد عليه وهو كاذب، فهذا بعيد، ولهذا قال الله: {وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}.

إذن هنا المانع مانع للشهادة له لا للشهادة عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>