للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه احتمال؛ يحتمل أنه يريد بما ورد بعينه، ويحتمل أن يريد بما ورد بجنسه، والذي ورد الدعاء بجنسه في الصلاة هو ما يتعلق بأمر الآخرة، وإذا قلنا بهذا الاحتمال صار معنى كلام المؤلف أن يدعو بدعاء يتعلق بأمور الآخرة، سواء ورد هذا الدعاء بعينه أم لم يَرِد، وإن قلنا بالاحتمال الأول؛ بما ورد بعينه، صار يتقيد بما ورد بعينه في هذا الموضع.

لكن الاحتمال الأول أشمل؛ أن يدعو بما ورد باعتبار الجنس، وهو ما يتعلق بأمور الآخرة، فيدعو بما يتعلق بأمور الآخرة بما شاء.

ولكن هاهنا مسألة؛ وهي أنه ينبغي المحافظة أولًا على الوارد في هذا المكان بعينه، ثم بعد ذلك يدعو بما شاء.

وظاهر كلام المؤلف أنه لا يدعو بغير ما ورد، سواء قلنا: إن المراد ما ورد بجنسه أو بعينه، فلا يدعو بشيء من أمور الدنيا، مثل أن يقول: اللهم ارزقني بيتًا واسعًا، اللهم ارزقني زوجة جميلة، اللهم ارزقني مالًا كثيرًا، اللهم ارزقني سيارة مريحة، اللهم ارزقني ثوبًا شتويًّا في أيام الشتاء، صيفيًّا في أيام الصيف، وما أشبه ذلك؛ لأن هذا يتعلق بأمور الدنيا.

حتى قال الفقهاء رحمهم الله: لو دعا بشيء مما يتعلق بأمور الدنيا بطلت صلاته، لكن هذا قول ضعيف بلا شك.

والصحيح أنه لا بأس أن يدعو بشيء يتعلق بأمور الدنيا، وذلك لأن الدعاء عبادة، وليس للإنسان ملجأ إلا الله، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» (٨)، ويقول: «أَمَّا السُّجُودُ فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنَ الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» (٩)، ويقول في حديث ابن مسعود لما ذكر التشهد: «ثُمَّ لْيَتَخَيَّرْ مِنَ الدُّعَاءِ مَا شَاءَ» (٤).

والإنسان لا يجد نفسه مُقْبِلًا تمام الإقبال على الله إلا وهو يصلي، فكيف نقول: لا تسأل الله وأنت تصلي شيئًا تحتاجه في أمور دنياك! هذا بعيد جدًّا.

<<  <  ج: ص:  >  >>