للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدلوا أيضًا بمحافظة النبي صلى الله عليه وسلم على التسليمتين، وقالوا: إن محافظته عليهما حضرًا وسفرًا، في حضور البوادي، والأعراب، والعالِم، والجاهل، يدل على أنه لا بد منهما، ويُرَشِّح ذلك قوله: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (١٦).

وقال بعض أهل العلم: تجزئ واحدة في النفل دون الفرض؛ لأنه ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه سَلَّم في الوتر تسليمةً واحدةً تلقاء وجهه، وقالوا: إن النفل قد يُخَفَّف فيه ما لا يُخَفَّف في الفرض، وعلى هذا فتجزئ التسليمة الواحدة في النفل دون الفرض.

فهذه أقوال ثلاثة؛ هل لا بد من التسليمتين في الفرض والنفل، كما هو المشهور من المذهب، أو تجزئ تسليمة واحدة في الفرض والنفل، أو تجزئ تسليمة واحدة في النفل دون الفرض؟

على كل حال الاحتياط من الأقوال الثالثة هو أن يُسَلِّم مرتين؛ لأنه إذا سَلَّمَ مرتين لم يَقُل أحدٌ من أهل العلم: إن صلاتك باطلة، ولو سَلَّم مرةً واحدة لقال له: من أهل العلم من يقول: إن صلاتك باطلة.

ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالاحتياط فيما لم يتضح فيه الدليل، فقال عليه الصلاة والسلام: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ» (١٧).

وقال عليه الصلاة والسلام: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» (١٨)، وأنت إذا أتيت بالتسليمة الثانية فقد أتيت بذكر تتقرب به إلى الله عز وجل، وتَسْلَمُ به من أن يقال: إن صلاتك باطلة.

على أن الذين قالوا بوجوب التسليمتين في الفرض والنفل قالوا: إن فعل الرسول عليه الصلاة والسلام قضية عين تحتمل النسيان أو غير ذلك، فلا يُقَدَّم هذا الفعل على القول الذي قال: إنما كان يكفي أحدكم أن يقول كذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>