فإذا اجتمعت هذه الشروط الثلاثة في الفعل صار مُبطِلًا للصلاة، لماذا؟ لأنها حركة من غير جنس الصلاة، وهي منافية لها، فتكون مُبطِلة لها كالكلام؛ لأن الذي يُنافي الصلاة يبطلها.
عُلِم من قول المؤلف أنه لو كانت الحركة قصيرة، فإن الصلاة لا تبطل، ولكن ما الميزان لكونها قصيرة أو طويلة؟
قال المؤلف: إن الميزان العُرف، والحقيقة أن العُرف فيه شيء من الغموض، كل شيء يقدره العلماء بالعرف ففيه شيء من الغموض، لا يكاد ينضبط؛ لأن الأعراف تختلف باختلاف البلدان، وتختلف باختلاف الأفهام، قد يرى بعض الناس هذا كثيرًا، وقد يراه الآخرون قليلًا، ولكن أقرب شيء يقال أننا إذا كنا حين نرى هذا الشخص يتحرك يغلب على ظننا أنه ليس في صلاة؛ يعني ينبغي أن يكون هذا هو الميزان، أن تكون الحركة بحيث من رأى فاعلها يظن أنه ليس في صلاة، لماذا؟ لأنه إذا كان الفعل الواقع من الشخص يظن أن فاعله ليس في صلاة؛ فهذا هو المنافي للصلاة.
أما الشيء الذي لا ينافيها، إنما هي حركات يسيرة، فإنها لا تضر؛ يعني بمعنى لا تبطل الصلاة، قدرها بعض العلماء بثلاث حركات، ولكن هذا التقدير ليس بصحيح؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فتح الباب لعائشة، وكان الباب في القِبلة، فتقدم ورجع، وفي صلاة الكسوف تقدم ورجع وتأخَّر، وحين صُنع له المنبر؛ صار يصلي عليه، فيصعد عند القيام والركوع، وينزل في الأرض عند السجود.
ومع أمامة بنت ابنته كان يحملها إذا قام ويضعها إذا سجد، وكل هذه أفعال أكثر من ثلاث مرات، ومع ذلك لم تبطل الصلاة، حتى وإن كانت متوالية، ثلاث حركات متوالية لا تبطل الصلاة؛ لأنها لا تنافيها.