فإذا قال قائل: ما دليلك على هذا التفريق، وأنت تقول: إن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض؟
قلنا: الدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي في كل يوم وليلة ثلاث صلوات، كلها فيها جهر بالقراءة، ويقرأ آيات فيها وعيد وآيات فيها رحمة، ولم ينقل الصحابة الذين نقلوا صفة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل ذلك في الفرض، ولو كان سنة لفعله ولو فعله لنُقِل، فلما لم ينقل علمنا أنه لم يفعله، ولما لم يفعله علمنا أنه ليس بسنة، والصحابة رضي الله عنهم حريصون على تتبع حركات النبي صلى الله عليه وسلم وسكناته حتى إنهم كانوا يستدلون على قراءته في السرية باضطراب لحيته (١١)، إلى هذا الحد رضى الله عنهم، ولما سكت بين التكبير والقراءة سأله أبو هريرة: ماذا يقول؟ (١٢)، ولو كان يسكت عند آية الوعيد من أجل أن يتعوذ، أو آية الرحمة من أجل أن يسأل لنقلوا ذلك بلا شك.
إذن هنا دليل على الفرق بين الفرض أيش؟
طلبة: والنفل.
الشيخ: والنفل، الدليل أن النفل ثبت فيه ذلك من فعله، وأما الفرض فلم يُنقل مع توافر الدواعي على نقله، الدواعي تتوافر على نقله؛ يعني تقتضي أن ينقل لو كان يفعل.
فإذا قال قائل: إذا كان الأمر كذلك؛ فلماذا لا تمنعونه كما منعه بعض أهل العلم في صلاة الفرض؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»(١٣)، فإذا لم يكن يقوله في الفريضة فلا تقولوه؟
الجواب على هذه أن نقول: ترك النبي صلى الله عليه وسلم له لا يدل على تحريمه؛ لأنه أعطانا عليه الصلاة والسلام قاعدة:«إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ»(١٤)، أو كما قال، والدعاء لا يبطل الصلاة، فيكون الأصل فيه الجواز، لكننا لا نندب للإنسان أن يفعل ذلك في صلاة الفريضة.