للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه قد تشكل في بادئ الأمر، ويقال: لو قلنا بهذا القول لأوجبنا على الناس جميعًا كلما صلوا أن يعيدوا صلاتهم، وإذا صلوا المعادة وحصل وسواس أعادوا، وهلم جرًّا! لكن عندي أن هذا ليس بوارد؛ لأن الإنسان إذا أمر أن يعيد صلاته مرة واحدة، فإنه في المستقبل سوف يخشع ولا يفكر في شيء.

فالقول بأنه من الواجبات، وأنه إذا غلب الوسواس على أكثر الصلاة بطلت الصلاة، لا شك أنه قول وجيه؛ لأن الخشوع لب الصلاة وروحها، إلا أنه يعكر على وجاهته ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بأن الشيطان إذا سمع الأذان أدبر وله ضراط من شدة وقع الأذان عليه، ثم إذا فرغ الأذان حضر، وإذا حضر دخل على الإنسان في صلاته، يقول له: اذكر كذا، اذكر كذا، اذكر كذا، حتى يصبح لا يدري ما صلى (٢٦)، فهذا الحديث نص في أنه لا يبطل الصلاة؛ يعني: في أن الوسواس -وإن كثر- لا يبطل الصلاة، وكذلك عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ» (٢٧)، فإنه يشمل هذه الصورة؛ أعني: يشمل من كثر وسواسه في صلاته.

على كل حال، ينبغي للإنسان أن يحاول بقدر ما يستطيع حضور قلبه في الصلاة، ولا شك أن الشيطان سوف يهاجمه مهاجمة؛ لأنه أقسم بعزة الله أن يغوي جميع الناس إلا عباد الله المخلصين، اللهم اجعلنا منهم، فسيهاجمك، لكن كلما هاجمك استعذْ بالله من الشيطان الرجيم، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم (٢٨)، ولا تزال تمرن نفسك على حضور القلب في الصلاة حتى يكون عادة لك.

[باب سجود السهو]

<<  <  ج: ص:  >  >>