للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد علم أنه لم يصمد أمام المأمون وأعوانه من المحرِّفين لكلام الله إلا هو ونفر قليل يعدون بالأصابع، لكن هو رحمه الله أشدهم، وهو رحمه الله تعالى أوثق من غيره عند العامة؛ ولهذا كان الناس ينتظرون ماذا يقول الإمام أحمد في خلق القرآن؟ إلا أنه رحمه الله صمم على أن يقول: إن القرآن كلام الله منزَّل غير مخلوق، حتى إنهم يضربونه بالسياط فيغشى عليه، ويجرونه بالبغال في الأسواق؛ لأنه قال كلمة الحق، يريدون منه أن يقول كلمة الباطل، لكنه صمم؛ ولهذا ماذا أثابه الله عليه؟ أثابه أن جعله إمامًا، {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: ٢٤]، يوقنون أن العاقبة للمتقين وللصابرين لا سيما على أمر يتعلق بالدين؛ ولذلك كان إمام أهل السنة بلا منازع.

هذا الإمام رحمه الله مع كونه إمامًا في الحديث كما يعرفه من يقرأ المسند، كان أيضًا إمامًا في التوحيد وفي العقيدة، وكان إمامًا في الفقه أيضًا، وشوف -سبحان الله العظيم- كيف جعل الله له هؤلاء الأتباع الذين خدموا كلامه أعظم خدمة بعد خدمة كلام الله ورسوله، ومع ذلك ما ألف إلا كتبًا يسيرة، لكن كلماته تكتب وتحفظ، حتى صار منها مذهب مستقل.

واعلم أن قول العلماء: مذهب فلان، يراد به أمران: المذهب الشخصي، والمذهب الاصطلاحي.

والغالب عند المتأخرين إذا قالوا: هذا مذهب أحمد، أو مذهب الشافعي، أو ما أشبه ذلك، الغالب أنه المذهب الاصطلاحي، حتى إن الإمام نفسه قد يقول بخلاف ما يسمى بمذهبه، ولكنهم يجعلون مذهبه ما اصطلحوا عليه.

فهنا (في مذهب أحمد) مرادها: المذهب الاصطلاحي، لا المذهب الشخصي.

(وربما حذفت منه مسائل نادرة الوقوع) (وربما حذفت منه) من أين؟ من المقنع.

<<  <  ج: ص:  >  >>