وفهم من كلام المؤلف أن صلاة الكسوف نافلة من باب التطوع، وفيها خلاف بين أهل العلم، والصحيح أن صلاة الكسوف فرض واجب؛ إما على الأعيان، وإما على الكفاية، وأنه لا يمكن للمسلمين أن يروا إنذار الله بكسوف الشمس والقمر ثم يَدَعُوا الصلاة، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بها، وأمر بالصدقة والاستغفار والتكبير والفزع إلى الصلاة، وحصل منه شيء لم يكن مألوفًا من قبل، فكيف تقترن بها هذه الأحوال ثم نقول: هي سنة، لو تركها المسلمون لم يأثموا؟ ! فأقل ما نقول فيها: إنها فرض كفاية، وعلى هذا فتنزع من باب صلاة التطوع لتلحق بصلاة الفريضة.
(ثم استسقاء) الاستسقاء يلي صلاة الكسوف في الآكدية، على ما ذهب إليه المؤلف؛ لأن المؤلف رحمه الله جعل مناط الفضيلة بالاجتماع على الصلاة، فما شرع له الاجتماع فهو أفضل مما لم يشرع له الاجتماع، فالاستسقاء عنده أفضل من الوتر مثلًا، لماذا؟ لأن صلاة الاستسقاء تشرع فيها الجماعة بخلاف الوتر، وما شرعت له الجماعة فهو أوكد من غيره.
ولكن في هذا نظر، والصواب أن الوتر أوكد من الاستسقاء؛ لأن الوتر داوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به فقال:«إِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً، فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى»(٤)، وقال:«يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ، أَوْتِرُوا»(٥).
وأما الاستسقاء فإنه لم يرد إلا من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يستسقي بالصلاة، فقد يستسقي بالدعاء في خطبة الجمعة أو في غيرها (٦).
والاستسقاء هو أن الناس إذا أجدبت الأرض وقحط المطر وتضرروا بذلك، خرجوا إلى الصحراء إلى مصلى العيد، فصلوا كصلاة العيد، ثم دعوا الله عز وجل.