للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت)، (إنه لا يذل من واليت) أي ولاية خاصة، (ولا يعز من عاديت) أي: لا يغلب من عاديته، هذا هو الوقع؛ لأن من والاه الله فهو منصور، كما قال الله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: ٥١]، وقال الله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: ٤٠، ٤١]، وأما من عاداه الله فهو ذليل؛ لأن الله إذا نصر أولياءه فعلى من؟ على أعدائه.

إذن فالعز للأولياء، والذل للأعداء.

فإن قال قائل: هل هذا على عمومه؛ لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت؟

نقول: ليس على عمومه، فإن الذل قد يعرض لبعض المؤمنين، والعز قد يعرض لبعض المشركين، ولكنه ليس على سبيل الإدالة المطلقة الدائمة المستمرة، فالذي وقع في أُحُد للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا شك أن فيه اعتزاز المشركين، ولهذا افتخروا به، فقالوا: يوم بيوم بدر، والحرب سجال (١١)، افتخروا، ولا شك أنه أصاب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الجراح والضعف ما لم يسبق من قبل، ولكن هذا شيء عارض ليس عزًّا دائمًا مطردًا للمشركين، وليس ذلًّا للمؤمنين على وجه الدوام والاستمرار، وإنما هو عارض، ومع هذا ففيه مصالح عظيمة كثيرة ذكرها الله تعالى في سورة آل عمران، واستوعب الكلام عليها ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد في فقه هذه الغزوة، ذكر فوائد عظيمة من هذا الأمر الذي حصل للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>