ولكن اختلف العلماء: هل الجماعة سُنّة للنساء -والمراد المنفردات عن الرجال- أو مكروهة، أو مباحة؟ فيها ثلاثة أقوال لأهل العلم:
فمن العلماء من قال: إنها سُنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أُمَّ ورقة أن تؤم أهل دارها (٢٥).
ومنهم من قال: إنها مكروهة، وضعَّف الحديث، وقال: إن المرأة ليست من أهل الاجتماع وإظهار الشعائر، فيُكره لها أن تقيم الجماعة في بيتها؛ ولأن هذا غير معهود في أمهات المؤمنين وغيرهن غاية ما فيه هذا الحديث الذي فيه نظر، فلا يمكن أن نشرع حكمًا إلا بدليل يُطمأن إليه.
ومنهم من قال: إن هذا مُباح، وقال: إن النساء من أهل الجماعة في الْجُملة، ولهذا أُبيح لها أن تحضر إلى المسجد لإقامة الجماعة، فتكون إقامة الجماعة في بيتها مباحة مع ما في ذلك من التستُّر والاختفاء.
وهذا القول لا بأس به؛ أنها مُباحة، وإن فُعِلت أحيانًا فلا حرج.
المهم أن قوله:(الرِّجال) أخرج به صِنفين من الناس، مَنْ؟
طالب: النساء والوِلْدان.
الشيخ: النساء والصبيان غير البالغين، وخرج بذلك أيضًا صنف ثالث، وهم الْخَناثى؛ الخنثى، وتكلَّم عليه الفقهاء في باب الفرائض هو الذي لا يُعلم أذَكر هو أم أُنثى، هذا هو الخنثى، هذا لا تجب عليه الجماعة، وذلك لأن الشرط فيه غيرُ متيقن، والأصل براءة الذمة، وعدم شغلها، فما دام وصف الوجوب ليس متيقنًا فيه وهو الرجولة؛ فإنها لا تجب عليه.
إذن خرج بذلك ثلاثة أصناف.
عموم كلام المؤلف (الرجال) يدخل فيه العبيد، فتلزم صلاة الجماعة العبيد؛ لأن النصوص عامة، ولم يُستثنَ منها العبيد؛ ولأن حَقّ الله مُقدم على حق البشر، ولهذا لو أمره سيده بمعصية حرم عليه أن يطيعه، فإذا كان لا يجوز للعبد أن يفعل المعصية بأمر سيده، فكيف إذا لم يَأمره؟ وهو إذا ترك الجماعة فقد فعل معصية، وهذا القول هو الصحيح أنها تلزم العبيد، كما تلزم الأحرار.