قلنا: دليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي ذات ليلة من الليل، وكان ابن عباس رضي الله عنهما قد نام عنده، فلما قام يصلي دخل معه ابن عباس، ووقف عن يساره، فأخذ برأسه من ورائه فجعله عن يمينه (٦).
وهذا دليل على أن الصلاة عن يسار الإمام لا تصح؛ لأنها لو صحت لأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.
فإن قال قائل: هذا في النفل؟
فالجواب عن ذلك من وجهين: الوجه الأول أن القاعدة أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض، ويدل لهذه القاعدة تصرف الصحابة رضي الله عنهم حين ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته في السفر، قالوا: غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة (٧)، فدل هذا على أن الأصل أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض؛ ولهذا احتاجوا إلى استثناء الفريضة، وهذا الحديث يستفاد منه أيضًا أن الصلاة عند الإطلاق تشمل الفريضة والنافلة، هذا الدليل.
فإذا قال قائل: هذا في النفل؟
نقول: الجواب من وجهين:
الأول: أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل.
الثاني: أن الغالب أن النفل يُتسامح فيه أكثر من التسامح في الفرض، فإذا لم يُتسامح في النفل عن يسار الإمام فعدم التسامح في الفرض من باب أولى.
هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله، ولكن أكثر أهل العلم يقولون بصحة الصلاة عن يسار الإمام مع خلو يمينه، وأن كون المأموم الواحد عن يمين الإمام إنما هو على سبيل الأفضلية لا على سبيل الوجوب، واختار هذا القول شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله، وقال: إن كونه عن يسار الإمام ليس على سبيل الوجوب، بل على سبيل الاستحباب، ولو صلَّى عن يساره مع خلو يمينه فصلاته صحيحة.