وقوله:(الوكيل) كما سبق لنا في التوحيد: الوكيل هو الذي فوض إليه الأمر، ولا شك أن الله تعالى قد فوَّض العباد إليه جميع أمورهم ولَّا لا؟ ولكنها ليس تفويضنا الأمور إلى الله عز وجل كتفويضنا الأمور إلى وكيلنا في الدنيا، تفويضنا الأمور إلى وكيلنا في الدنيا على أننا نحن الذي بيدنا الأمر، نملك عزله، ونرى أنه في منزلة دون منزلتنا من حيث التصرف؛ لأنه ما يتصرف إلا حسب ما وكل فيه، لكن تفويضنا أمرنا إلى الله تفويض افتقار وحاجة، وأنه سبحانه وتعالى هو الذي منه الإعداد والإمداد، كما أنه هو الذي منه الإيجاد، فنحن ما أوجدنا أنفسنا، ولا نُعِد أنفسنا لما يطلب منا، ولا نمدها أيضًا بما يقوينا على ذلك، كل هذا إلى الله عز وجل، فتفويض الإنسان لمثله في بيع وشراء وتأجير، وما أشبه ذلك، ليس كتفويض الإنسان أمره إلى ربه، شو الفرق؟
تفويض الإنسان أمره إلى ربه تفويض افتقار وحاجة واعتماد على الله عز وجل، أما تفويض الإنسان مثله في العقود والمعاملات فهذا ليس كذلك، بل هو تفويض من يرى أن الأمر بيده، لو شاء عزله، والوكيل لا يتصرف إلا حسب ما وكله موكِّلُّه، ما يتصرف في أكثر من ذلك.
وقوله:(وهو حسبنا، ونعم الوكيل) هل لها نظير في القرآن؟ {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران: ١٧٣].
إذن قالوا ذلك تفويضًا إلى الله ليحصل لهم المطلوب ويندفع عنهم المرهوب؛ لأنهم يريدون أن يدفعوا هؤلاء الذين جمعوا لهم، فصارت الكلمة هذه يراد بها أمران؛ حصول المطلوب، ودفع المكروه.
قال ابن عباس: قالها إبراهيمُ عليه الصَّلاة والسَّلام حين أُلقيَ في النَّار (١١)، دفعًا للمكروه، وطلبًا للمحبوب وهو النجاة؛ ولهذا كان الجواب فورًا:{قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}[الأنبياء: ٦٩].