وسُنَّةُ الرسولِ عليه الصلاة والسلام تدلُّ على هذا؛ فإنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ارتَحَلَ قبْلَ أنْ تَزِيغَ الشمسُ أخَّرَ الظُّهرَ إلى العصرِ، وإذا ارتَحَلَ بعدَ أنْ تَزِيغَ الشمسُ صلَّى الظُّهرَ والعصرَ ثم ركِبَ (٦).
وكذلك المريضُ لو كان الأرفقُ به أنْ يُقَدِّم صلاةَ العِشاء مع المغربِ قُلنا: هذا أفضل، ولو كان بالعكس أنْ يؤخِّر المغربَ إلى العِشاء قُلنا: هذا أفضل.
طيب، الجمعُ في المطرِ، هل الأفضل التقديم أو التأخير؟
الطلبة: التقديم.
الشيخ: لماذا؟
طالب: أَرْفَق.
الشيخ: لأنه أَرْفَقُ بالناس، ولهذا نجد الناسَ كلَّهم في المطر لا يَجْمعون إلا جَمْعَ تقديمٍ.
يقول:(الأفضلُ فِعْلُ الأَرْفَقِ به مِن تأخيرٍ وتقديمٍ).
واعلمْ أنَّ كلام المؤلف هنا لا يعني أنه إذا جازَ الجمعُ فلا بُدَّ أنْ يكون تقديمًا أو تأخيرًا، بلْ إذا جازَ الجمعُ صار الوقتانِ وقتًا واحدًا، فيجوز أنْ تُصلِّي المجموعتينِ في وقت الأُولى أو في وقت الثانيةِ أو فيما بين ذلك، وأمَّا ظنُّ العامةِ أنَّ الجمعَ لا يجوز إلَّا في وقت الأُولى أو وقت الثانية فهذا لا أصلَ له؛ لأنه متى أُبِيحَ الجمعُ صارَ الوقتُ وقتًا واحدًا.
قال:(الأفضلُ فِعْلُ الأَرْفَقِ به مِن تأخيرٍ وتقديمٍ). استثنى بعضُ العلماء قال: إلَّا جَمْع عَرَفَةَ فالأفضلُ التقديمُ، أو مزدلفةَ فالأفضلُ التأخيرُ. ولكنَّ هذا لا وجْهَ له؛ لأنَّ جَمْع عَرَفَةَ تقديمًا أَرْفَقُ بالناسِ من الجمْعِ تأخيرًا؛ لأن الناس لا يمكن أن يُحبَسوا إلى وقت العصرِ مجتمعين وهُم يريدون أن يتفرَّقوا في مواقفهم ويدْعُون الله، فالأرفقُ بهم بلا شكٍّ أيش؟ التقديمُ، أمَّا في مزدلفة فالأرفقُ التأخيرُ؛ لأن إيقافَ الناسِ في أثناء الطريقِ وهُم في سَيْرِهم إلى مُزدلفة فيه مشقَّة، فالأرفقُ إذَنْ هو التأخيرُ، وعلى هذا فإنه لا وجْهَ للاستثناء.