وتصحُّ الصلاتانِ في شرطٍ خامسٍ: ألَّا تكون الجمعة، فإنْ كانت الجمعة فإنَّه لا يصحُّ أن يجمع إليها العصر؛ وذلك لأن الجمعة صلاةٌ منفردةٌ في شروطِها وهيئتِها وأركانِها وثوابِها أيضًا، والسُّنة إنما وردتْ بين الظُّهرِ والعصرِ، لم يَرِدْ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جَمَعَ العصرَ إلى الجمعةِ أبدًا، ولا يصحُّ أنْ تُقاس الجمعةُ على الظُّهر؛ لأنها -كما ذكرتُ لكم- منفردةٌ عن الظُّهر بعِدَّةِ أشياء: بِهيئتها، وشروطِها، وأركانِها، بلْ ووقتِها؛ وقتُها على المشهور مِن مذهبِ الحنابلةِ من ارتفاعِ الشمس قدرَ رُمْحٍ إلى العصرِ، والظُّهرُ مِن الزوالِ إلى العصرِ، أيضًا الجمعةُ لا تصحُّ إلا في وقتِها، فلو خرج الوقتُ صلَّوْا ظُهرًا، والظُّهر تصحُّ في الوقتِ وتصحُّ بعده للعُذر، فهي تختلف.
لكنْ لو قال قائل: أنا أُريد أنْ أتحيَّل فأنوي الجمعةَ ظُهرًا لأني مسافرٌ، وصلاةُ الظُّهرِ في حقِّي كَمْ؟
طالب: ركعتانِ.
الشيخ: ركعتانِ، يعني على قَدْرِ الجمعة، فأنا سأنويها ظُهرًا، فماذا نقول له؟
نقول: هذه النيَّةُ لا تصِحُّ على قول من يقول: إنه يُشترَطُ اتفاقُ نيَّةِ الإمامِ والمأمومِ؛ لأنهم لم يستثنوا في هذه المسألةِ إلا مَنْ أدركَ مِن الجمعةِ أقلَّ مِن ركعةٍ، فإنه يدخلُ مع الإمامِ بنيَّةِ الظُّهرِ لتعذُّرِ الجمعةِ في حقِّه، أمَّا هذا فهي ممكنةٌ، فلا يصحُّ أن ينويَ الظُّهر خلْفَ مَن يصلِّي الجمعة، هذا القولُ واضحٌ أنَّه لا يصحُّ أنْ ينويَها ظُهرًا.
أمَّا على القولِ الراجحِ أنَّ نيَّةَ الإمامِ والمأمومِ لا يضرُّ الاختلافُ بينهما فإنَّنا نقول: لا تَنْوِهَا ظُهرًا؛ لأنك إذا نويتَها ظُهرًا حَرَمْتَ نفْسك أجْرَ الجمعةِ، وأجْرُ الجمعةِ أكبر بكثيرٍ مِن أجْرِ الظُّهر، فكيف تَحرِمُ نفْسَك أجْرَ الجمعةِ مِن أجْلِ أنْ تجمع! والأمرُ يسيرٌ، اترك العصرَ حتى يدخل وقتُها ثم صَلِّها.