ويُطلقُ أحيانًا على سَبَبِهِ، فيُقال للغائط: حَدَث، ويُقال للبول: حَدث، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام:«لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ»(١٩).
فهو يُطلق في الأصل على المعنى القائم بالبدن المانع من الصلاة ونحوها، وقد يُراد به أيش؟ سببه وهو السبب الموجِب للوضوء.
وقوله:(لطهارة الأحداث) يشمل الحدث الأصغر والأكبر؛ كل الأحداث، وخرج بقوله:(لطهارة الأحداث) طهارة الأنجاس؛ فإنه لا يُشترطُ لها النيَّة، ولذلك لو علَّق الإنسان ثوبه في السَّطح، فجاء المطرُ على هذا الثوب حتى غسله، وزالت النَّجَاسةُ طَهُر ولَّا ما يطهر؟ طَهُر، مع أن هذا ليس بفعله، ولا بنيَّته.
ما نوى هو لما علقه في السطح ما نوى أن يغسله المطر، والمطر أيضًا ليس من فعله، وكذلك الأرض تصيبها النَّجَاسة، فتنزل الأمطار عليها فتطهُر بدون قصد فتكون طاهرة.
وهذا الذي ذكره المؤلف: هو مذهب مالك، والشَّافعي، والإمام أحمد بن حنبل، وذهب أبو حنيفة -رحمه الله- إلى أن طهارة الحدث لا يُشترط لها النية؛ قال: لأنها ليست عبادة مقصودة لذاتها وإنما هي مقصودة لماذا؟ للصلاة، لتصحيح الصلاة، فهي كما لو لَبِسَ ثوبًا يستُر به عورته، فإنه لا يُشترطُ أن ينوي بذلك ستر العورة، بل لو لَبِسَهُ للتجمُّلِ أو لدفع البرد، وما أشبه ذلك أجزأ، ولكن قوله ضعيف؛ فإن الصَّواب أن الوُضُوء عبادةٌ مستقلِّة، والدليل على ذلك أن الله رتَّب عليه الفضلَ والثَّوابَ والأجرَ، ومثل هذا يكون عبادةً مستقلّةً، وهو قول جمهور أهل العلم.
وإذا كان عبادة مستقلَّة، صارت النيَّةُ فيه شرطًا، بخلاف إزالة النَّجاسة؛ فإزالة النَّجاسة ليست فعلًا، ولكنها تَخَلٍّ عن شيء تُطلب إزالته، فلهذا لم يكن عبادة مستقلَّة، فلا تُشتَرطُ فيها النيَّة، لكن كيف ينوي؟ النية بالنسبة للوضوء لها عدة أوجه.