قال:(يسن أن يقرأ جهرًا) هذه مما تختلف فيه عن صلاة الظهر، أنه تسن القراءة بها جهرًا؛ أي أن الإمام يجهر في القراءة من بين سائر الصلوات النهارية، ونحن إذا تأملنا الصلوات الجهرية وجدنا أنها الصلوات الليلية المكتوبة: المغرب، والعشاء، والفجر، وأنها أيضًا الصلاة ذات الاجتماع العام مثل: الجمعة، والعيد، والكسوف، والاستسقاء؛ لأن هذه يجتمع فيها الناس اجتماعًا عامًّا، فالسنة في الكسوف مثلًا أن تصلى في الجامع، يصليها أهل البلد كلهم في مسجد واحد، هذه السنة، كذلك في صلاة الاستسقاء، كذلك في صلاة العيد، وكذلك في صلاة الجمعة.
والحكمة من ذلك أنه يجهر في هذه الصلوات ذوات الاجتماع العام، الحكمة من ذلك هو إظهار الموافقة والائتلاف التام؛ لأنه إذا كان الإمام يجهر صارت قراءته قراءة للجميع، فكأنه عنوان على ائتلاف أهل البلد كلهم، واضح؟
أما في الليل، فالحكمة من ذلك هو أنه قد يكون أنشط للمصلين إذا استمعوا القراءة، ولا سيما إذا كان الصوت جيدًا، والقراءة لذيذة، فإن الناس سوف ينشطون أكثر، ولأجل أن يتواطأ القلب واللسان من جميع الحاضرين.
وقوله:(يُسَن أن يقرأ جهرًا): يؤخذ منه أنه لو قرأ سرًّا لصحت الصلاة، لكن الأفضل جهرًا.
(في الأولى بالجمعة، وفي الثانية بالمنافقين) يعني يقرأ في الأولى بـ (الجمعة)، ويقرأ في الثانية بـ (المنافقون)، ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم (١٦)، والمناسبة فيها ظاهرة، أما (الجمعة): فالمناسبة أظهر من الشمس؛ لأن فيها ذكر الأمر بالسعي إلى صلاة الجمعة، وأما (المنافقون): فالمناسبة ظاهرة، من أجل أن يصحح الناس قلوبهم ومسارهم إلى الله تعالى كل أسبوع، ينظر الإنسان في قلبه، هل هو من المنافقين أو من المؤمنين؟ فيحذر ويطهر قلبه من النفاق.