وفيه أيضًا من الفائدة أخرى: أن يقرع أسماعَ الناس التحذيرُ من المنافقين كل جمعة؛ لأن الله قال فيها عن المنافقين:{هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ}[المنافقون: ٤]، وهذا مناسبة تامة.
وله أن يقرأ بـ (سبح) و (الغاشية)، ثبت ذلك أيضًا في صحيح مسلم؛ أن الرسول يقرأ بـ (سبح) و (الغاشية)(١٧)، فهل يجمع بين السورتين؟ أو هذه مرة وهذه مرة؟
نقول: هذه مرة، وهذه مرة، فإن الذي ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يقرأ إما هذا وإما هذا، فالسنة أن يقرأ مرة بهذا ومرة بهذا، ولكن لو أن الإنسان راعى أحوال الناس؛ فصار في أيام الشتاء الباردة يقرأ بـ (سبح) و (الغاشية)؛ لأن الناس ربما يحتاجون إلى التبول، بواسطة البرودة، وفي أيام الحر الشديد أيضًا يقرأ بـ (سبح) و (الغاشية)، لا سيما إذا كان المسجد ليس فيه تبريد كافٍ، فيقرأ بـ (سبح) و (الغاشية) من أجل التسهيل عليهم، وذلك أن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا (١٨)، والقاعدة العامة في الشريعة الإسلامية هي اليسر، فإذا علمنا أن الأيسر على المصلين أن نقرأ بـ (سبح) و (الغاشية)، وذلك في شدة البرد وشدة الصيف، فالأفضل أن نقرأ بهما، وهي سنة ثابتة (١٧).
أما في الأيام المعتدلة الجو فينبغي أن يقرأ بهذا أحيانًا وبهذا أحيانًا؛ لئلا تهجر السنة؛ لأننا نذكر أن بعض شيوخنا كانوا يداومون على (سبح) و (الغاشية) لا يقرؤون سواها، فلما قرئ بهما -بسورة الجمعة و (المنافقون) - استنكروا هذا، قالوا: هذا تطويل، والرسول عليه الصلاة والسلام نهى معاذًا عن التطويل، لماذا؟
لأنها لما هُجِرَتِ السنة صارت عند العامة كأنها بدعة، فالذي ينبغي للأئمة أن يراعوا السُنَّة الثابِتَةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما (سبح) و (الغاشية) فالمناسبة فيهما ظاهرة.