لأن في (سبح): أمر الله تعالى بالتذكير فقال: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (٩) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} [الأعلى: ٩، ١٠]، والإمام قد ذكر في الخطبة فينبه الناس على أنهم إن كانوا من أهل خشية الله فسوف يتذكرون.
وفي (الغاشية) واضح أيضًا المناسبة؛ ذكر يوم القيامة وأحوال الناس فيها: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (٢) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} [الغاشية: ٢، ٣] و {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ} [الغاشية: ٨، ٩]، وفيها أيضًا التذكير {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: ٢١، ٢٢]، فالحاصل أن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لهذه السور الأربع لا شك أنها من أعظم المناسبات.
يقول:(في الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين) من هم المنافقون؟
المنافقون: هم الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، وإن تسموا بالإسلام فهم كفار، بل أخبث من الكفار، وكل من أظهر حسنًا وأبطل سيئًا فهو شبيه بهم؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام:«آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ؛ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ»(١٩).
(الجمعة) فيها أيضًا مناسبة عظيمة غير مسألة الأمر بالسعي للجمعة، وهي أن الله تعالى ذكر عن اليهود {الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا}[الجمعة: ٥]، لم يعملوا بها أن مثلهم {كَمَثَلِ الْحِمَارِ} تحذيرًا لنا من أن نكون مثلهم؛ لأن المسلمين لو أنهم لم يحملوا القرآن أي لم يعملوا به صاروا مثل اليهود أو أخبث منهم؛ لأن من مُيِّز على غيره بفضل كان تكليفه بالشكر أكثر، وهذه الأمة ميزت على غيرها بالفضل، فكان الواجب عليها أن تكون أفضل من غيرها عملًا.
ففيها تحذير {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ} فيها تحذير لنا أن لا نحمل القرآن الكريم.