وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في الكوفة أقام صلاة العيد في الصحراء، وجعل واحدًا من الناس يقيم في المسجد الجامع داخل البلد للضعفاء، فمن هنا ذهب الإمام أحمد -رحمه الله- إلى أن صلاة الجمعة يجوز تعددها لحاجة.
على كل حال، إقامتها في أكثر من موضع من البلد محرمة.
قد يقول قائل: ما هو الدليل على التحريم؟
نقول: الدليل أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»(٣)، وحافظ النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة في مسجد واحد طيلة حياته، والخلفاء من بعده، والصحابة من بعده، وهم يعلمون أن البلاد اتسعت؛ ففي عهد عثمان اتسعت المدينة فزاد أذانًا ثالثًا، جعل أذان أول، ثم أذان عند حضور الإمام، ثم الإقامة، ولم يعدد الجمع.
والجمعة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وأيضًا كانت أحياءً، العوالي بعيدة عن الجمعة، ومع ذلك يحضرون إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أن الجمعة لا بد أن تكون على إمام واحد وفي مكان واحد.
ولكن مع الأسف الآن أصبحت بلاد كثير من المسلمين، أو أصبح كثير من بلاد المسلمين لا يفرقون بين الجمعة وبين صلاة الظهر؛ أي أن الجمعة تقام في كل مسجد، فتفرقت الأمة، وصار الناس يقيمون صلاة الجمعة وكأنها صلاة ظهر.
وهذا لا شك أنه خلاف مقصود الشرع، وخلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا جزم المؤلف بتحريم إقامتها في أكثر من موضع من البلد.
قال:(إلا لحاجة)، والمراد بالحاجة هنا ما يشبه الضرورة؛ لأن هناك ضرورة وحاجة، الحرام لا يبيحه إلا الضرورة، والحاجة إنما تبيح المكروه فقط ولا تبيح المحرم، فالمراد بالحاجة هنا ما يشبه الضرورة، وأظنكم تعرفون الفرق بين الحاجة والضرورة.
طالب: لا
الشيخ: ما تعرف.
الحاجة: هي التي يكون بها الكمال، والضرورة: هي التي يندفع بها الضرر، هذا الفرق.