ثم إنه علق الوجوب بوصف يقتضي التكليف، وهو الاحتلام الذي يحصل به البلوغ، فإذا أخذنا اللفظ وأخذنا المعنى تبين لنا ظاهرًا أن غسل الجمعة واجب، وأن من تركه فهو آثِم.
ولكن هل هو شرط لصحة الصلاة أو واجب مستقل بنفسه؟
الجواب: الثاني، أي أنه ليس شرطًا لصحة الصلاة، فلو صلى الجمعة بدون اغتسال صحت جمعته؛ لأن هذا الاغتسال ليس عن جنابة، لكنه يأثم؛ لتركه ما أوجبه النبي صلى الله عليه وسلم.
ويدل للوجوب أيضًا أن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- دخل وعمر بن الخطاب يخطب الناس على المنبر يوم الجمعة، فأنكر عليه تأخره، فقال: والله يا أمير المؤمنين، كنت في شغل، وما زدت على أن توضأت ثم أتيتُ، فقال له موبِّخًا: والوضوءَ أيضًا؟ -يعني: تفعل الوضوء أيضًا- وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ»(٩)، ووبَّخه على اقتصاره على الوضوء، واستدل لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ».
وأما ما روي عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ تَوَضَّأْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ»(١٠)، فهذا الحديث لا يُقاوِم ما أخرجه الأئمة السبعة وغيرهم، وهو حديث أبي سعيد الذي ذكرته آنفًا:«غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ»(١١)، ثم إن الحديث من حيث السند ضعيف؛ لأن كثيرًا من علماء الحديث يقولون: إنه لم يصح سماع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة، وإن كنا رجحنا في المصطلح أنه متى ثبت سماع الراوي من شيخه، وكان ثقة ليس معروفًا بالتدليس، فإنه يُحمل على السماع، على أن الحسن -رحمه الله- رماه بعض العلماء بالتدليس، وعده من المدلسين.