ثم إن هذا الحديث أيضًا من حيث المتن إذا تأملته وجدته ركيكًا، ليس كالأسلوب الذي يخرج من مشكاة النبوة:«مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ»، «بها» أيش؟ «وَنِعْمَتْ»؟ أين مرجع الضمير؟ فيه شيء من الركاكة، يعني ضعيف في البلاغة، «وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» يعني يظهر عليه تمامًا أنه من كلام غير النبي صلى الله عليه وسلم.
فالذي نراه وندين الله به ونحافظ عليه أن غسل الجمعة واجب، وأنه لا يسقط إلا لعدم الماء، أو للضرر باستعمال الماء.
بقي أن يُقال: إذا لم يجد الماء أو تضرر باستعماله، فهل يتيمم لهذا الغسل، أو نقول: إنه واجب سقط بعدم القدرة عليه؟ الثاني: وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
ويقول شيخ الإسلام: جميع الأغسال المستحبة إذا لم يستطع أن يقوم بها فإنه لا يَتيمم عنها؛ لأن التيمم إنما شُرع للحدث؛ لقوله:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ}[المائدة: ٦]. ومعلوم أن الأغسال المستحبة ليست للتطهير؛ لأنه ليس هناك حدث حتى يتطهر منه.
وعلى هذا فلو أن الإنسان وصل إلى الميقات وهو يريد العمرة أو الحج، ولم يجد الماء، أو وجدَه وكان باردًا لا يستطيع استعماله، أو كان مريضًا، فهل يتيمم؟ بناء على هذا لا، والفقهاء -رحمهم الله- يقولون: بل يتيمم، ولكن الصحيح خلاف ذلك.