وقوله:(ماشيًا)، دليله أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في حديث:«مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ»(٢٣)، «وَدَنَا مِنَ الْإِمَامِ»، فقال:«مَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ»، ولأن المشي أقرب إلى التواضع من الركوب؛ ولأن المشي يكون فيه الخطوات؛ كل خطوة يُرفع له بها درجة، ويحط عنه بها خطيئة، فكان المشي أفضل من الركوب، ولكن لو كان منزله بعيدًا أو كان ضعيفًا أو مريضًا، واحتاج إلى الركوب، فإن رفقه بنفسه أولى من الإشقاق عليها.
قال:(ويدنو من الإمام)، هذا أيضًا من السُّنة أن يدنو من الإمام، ودليل ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام:«لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلَامِ وَالنُّهَى»(٢٤)، ولما رأى قومًا تأخروا في المسجد عن التقدم قال:«لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ»(٢٥)، وهذا أقل أحواله أن يكون التأخر عن الأول فالأول مكروهًا؛ لأن مثل هذا التعبير يعد وعيدًا من النبي عليه الصلاة والسلام:«لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ» ويكررون التأخر «حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ»، ليس في هذا العمل، بل في جميع الأعمال؛ لأن الإنسان إذا لم يكن في قلبه محبة للسبق إلى الخير بقي كسلان دائمًا، كما قال الله عز وجل:{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}[الأنعام: ١١٠]، ولهذا ينبغي للإنسان كلما سنحت له الفرصة في العبادة أن يفعل، ويتقدم إليها حتى لا يُعوِّد نفسه الكسل، وحتى لا يُؤخِّره الله عز وجل.