للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن المؤلف اشترط؛ قال: (ثم عاد إليه قريبًا)، ولم يحدِّد القُرْب، وكل شيء أتى ولم يُحَدَّد يرجع فيه إلى العرف كما قيل في منظومة حفظها من حفظها منكم:

وَكُلُّ مَا أَتَى وَلَمْ يُحَدَّدِ

بِالشَّرْعِ كَالْحِرْزِ فَبِالْعُرْفِ احْدُدِ

هذه قاعدة.

طيب إذن نقول: إذا عاد إليه قريبًا فهو أحقُّ به، وظاهر كلام المؤلف أنه لو تأخر طويلًا فليس أحق، فلغيره أن يجلس فيه.

وقال بعض العلماء: بل هو أحق ولو عاد بعد مدة طويلة إذا كان العذر باقيًا؛ يعني: ما دام العذر باقيًا فهو معذور ولو طال، فإذا عاد فهو أحق، وهذا القول أصحُّ؛ لأن استمرار العذر كابتدائه، فإنه إذا جاز أن يخرج من المسجد ويبقي المصلَّى إذا حصل له العذر، فكذلك إذا استمر به العذر، لكن من المعلوم أنه لو أقيمت الصلاة، وهو لم يزل غائبًا فإنه يرفع.

وهنا مسألة: لو فرض أنه رجع قريبًا أو بعيدًا على قولنا: إنه ما دام العذر فهو معذور ووجد في مكانه أحدًا فقال: قم، فقال: لا أقوم، فقال: قم، لا أقوم، وحصل نزاع، ما الذي ينبغي؟ الذي ينبغي أن يَدْرَأ النزاع، وله أجر، ويجد مكانًا آخر، إلا إذا أمكن أن يتفسح الناس بأن كان الصف فيه شيء من السعة، فهنا يقول: افسحوا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} [المجادلة: ١١].

قال: (ثم عاد إليه قريبًا فهو أحق به)، الدليل عندي يقول: لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» (٢)، رواه مسلم.

يقول عندي بالشرح: (ولم يقيِّدْه الأكثر بالعود قريبًا). مَنِ الأكثر؟ يعني: أكثر الأصحاب أصحاب الإمام أحمد لم يقيدوه بالعود قريبًا، كما هو ظاهر الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>