للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا أُمرنا بالصلاة -كما سيأتي إن شاء الله- والدعاء، والذكر، وغير ذلك، هذا السبب الشرعي هو الذي يفيد العباد ليرجعوا إلى الله، أما السبب الحسي فهو ليس ذا فائدة كبيرة، ولهذا لم يبينه النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان فيه فائدة كبيرة للناس لبينه عن طريق الوحي؛ لأن الله يعلم -سبحانه وتعالى- سبب الكسوف الحسي، ولكن لا حاجة لنا به، ومثل هذه الأمور الحسية يَكل الله فيها الأمر إلى الناس، وإلى تجاربهم حتى يدركوا ما أودع الله في هذا الكون من الآيات الباهرة بأنفسهم، أما الأسباب الشرعية أو الأمور الشرعية التي لا يمكن أن تدركها العقول ولا الحواس، فهذه هي التي يبينها الله للعباد فحينئذٍ نقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم بين للعباد أيش السبب الشرعي؛ لأنه هو الذي فيه الفائدة، أما السبب الحسي فالفائدة فيه قليلة؛ ولهذا لم تبين.

فإن قال قائل: كيف يمكن أن يجتمع السبب الحسي والشرعي، ويكون الحسي معلومًا معروفًا للناس قبل أن يقع، والشرعي معلوم بطريق الوحي، فكيف يمكن أن نجمع بينهما؟

نقول: أصلًا لا تنافي بينهما؛ لأن حتى الأمور العظيمة كالخسف بالأرض، والزلازل، والصواعق، وشبهها التي يُحس الناس بضررها، وأنها عقوبة لها أسباب طبيعية، أليس كذلك؟ لها أسباب طبيعية يُقدِّر الله هذه الأسباب الطبيعية حتى تكون المسببات، وتكون الحكمة من ذلك هو تخويف العباد؛ فالزلازل لها أسباب، الصواعق لها أسباب، البراكين لها أسباب، العواصف لها أسباب، كلها لها أسباب، لكن يُقدِّر الله هذه الأسباب من أجل استقامة الناس على دين الله {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} [الروم: ٤١].

<<  <  ج: ص:  >  >>