ولكن تضيق قلوب كثير من الناس عن الجمع بين السبب الحسي والسبب الشرعي، وأكثر الناس أصحاب ظواهر لا يعتبرون إلا بالشيء الظاهر؛ ولهذا تجد الكسوف والخسوف لَمَّا علم الناس أسبابهما الحسية ضعف أمرهما في قلوب الناس، ضعف حتى كأنه صار أمرًا عاديًّا.
ونحن نذكر قبل أن نعلم بهذه الأمور أنه إذا حصل الكسوف رُعِبَ الناس رعبًا شديدًا، وصاروا يبكون بكاءً شديدًا، ويذهبون إلى المساجد وكأنهم مذعورون كما وقع ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام لما كسفت الشمس في عهده لأول مرة في عهده، وكان ذلك بعدما افتتحت مقدار رمح من الجو بعد طلوعها بمقدار رمح أظلمت الدنيا ففزع الناس، وفزع النبي عليه الصلاة والسلام فزعًا عظيمًا حتى إنه أُدرِكَ بردائه؛ يعني من شدة فزعه قام بالإزار قاصدًا المسجد حتى تبعوه بالرداء فارتدى به، وجعلَ يجره؛ يعني ما استقر ليوازن الرداء من شدة فزعه، وأمر أن يُنادَى (الصلاة جامعة) من أجل أن يجتمع الناس كلهم فاجتمعت الأمة من رجال ونساء، وصلى بهم النبي عليه الصلاة والسلام صلاةً لا نظير لها؛ لأنها لآية لا نظير لها، الكسوف سبب لا نظير له، ليس معتادًا، فصلى له صلاةً غير معتادة، آية شرعية لآية أيش؟
طلبة: كونية.
الشيخ: كونية، أطال فيها إطالة عظيمة، حتى إن بعض الصحابة مع نشاطهم وقوتهم ورغبتهم في الخير كانوا يسقطون غشية؛ من طول ما قام عليه الصلاة والسلام، وركع ركوعًا طويلًا وكذلك السجود.
المهم أنها صلاة عظيمة والناس يبكون، يفزعون إلى الله، والنبي عليه الصلاة والسلام عُرضت عليه الجنة والنار في هذا المقام، يقول: فلم أرَ يومًا قطُّ أفظع من هذا اليوم (١٣)، عرضت النار حتى صارت إلى قربه حتى إنه تنحى عنها رجع القهقرة خوفًا من لفحها، سبحان الله! فالأمر عظيم، أمر الكسوف ليس بالأمر الهين كما يتصوره الناس اليوم، وكما يصوره أعداء المسلمين حتى تبقى قلوب المسلمين كالحجارة أو أشد قسوة، والعياذ بالله.