للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما ما ذكر من أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت توجد في عهده العواصف، والقواصف -قواصف الرعد- فإن هذا لا يدل على ما قلنا؛ لأنها قد تكون هذه الرياح رياحًا معتادة، والشيء المعتاد لا يخوِّفُ وإن كان شديدًا، فمثلًا في أيام الصيف اعتاد الناس أن الرياح تهب بشدة وتكثُر، ولا يعدُّون هذا شيئًا مخيفًا. صحيح أنه أحيانًا توجد صواعق عظيمة متتابعة، تخيف الناس، فهل الصواعق التي وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كهذه؟

لا يستطيع أحد أن يثبت أن هناك صواعق في عهد النبي عليه الصلاة والسلام خرجت عن المعتاد، والشيء المعتاد لا يُخيف؛ لأنه أمر جرى الناس عليه فلا يخافون منه، لكن لو تأتي قواصف صواعق عظيمة متتابعة، فإن الناس لا شك سيخافون، وفي هذه الحال يفزعون إلى ربهم عز وجل بالصلاة.

وهذا الأخير هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو -كما ترون- من القوة، يعني له قوة عظيمة؛ لأن قوله: «آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ» (١٤) يقتضي أن كل آية تخويف فإنه يُشرع لها صلاة الكسوف.

قال: (وإن أتى في كل ركعة بثلاث ركوعات أو أربع أو خمس جاز).

(إن أتى) يعني المصلي، (في كل ركعة بثلاث ركوعات أو أربع أو خمس جاز)؛ لأنه ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام: أنه صلى ثلاث ركوعات في ركعة واحدة، وثلاث ركوعات في ركعة واحدة (١٥)، هكذا أخرجه مسلم، لكن هذه الرواية شاذة، ووجه شذوذها أنها مخالفة لما اتفقا عليه، -أعني البخاري ومسلمًا- في أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف في كل ركعة ركوعان (١٦) فقط، ومن المعلوم بالاتفاق أن الكسوف لم يقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يصلِّ فيه إلا مرة واحدة فقط. وعلى هذا فالمحفوظ أنه صلى في كل ركعة ركوعين، وما زاد على ذلك فهو شاذ؛ لأن الثقة مخالف فيه لمن هو أرجح.

<<  <  ج: ص:  >  >>