ويستفاد من الحديث:«إِنَّهُ كَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِرَبِّهِ»(٢٠) ثبوت الأفعال الاختيارية لله عز وجل التي تقع بمشيئته خلافًا لمن أنكر ذلك، فإن إنكاره عن جهل عن عقله وهو في الحقيقة جهل، وليس بعقل، فالرب عز وجل تقوم به الأفعال الاختيارية، ويفعل ما يشاء في أي وقت شاء.
قال:(وإذا زادت المياه وخيف منها سُن أن يقول: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا لَا عَلَيْنَا») إلى آخره.
(إذا زادت المياه) يريد بذلك مياه السماء؛ يعني الأمطار، ومثل ذلك أيضًا لو زادت مياه الأنهار على وجه يخشى منه، فإنه يسن أن يقول هذا الذكر يقول:«اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا».
ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس يوم الجمعة، فقال: يا رسول الله، هلكَ المالُ وتهدم البِناء فادعُ اللهَ يمسكها عَنَّا. فلم يدعُ الله بإمساكها، ولكنه دعا الله بإبقائها على وجه لا يضر فقال:«اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا»(٢١) إلى آخره.
وقوله:(«اللَّهُمَّ»): هذه منادى حُذفت منها ياء النداء، وعُوِّض عنها الميم، ولم تُجعل الميم في أول الكلمة تيمنًا بالبداءة باسم الله، وجعلت في آخرها ميمًا؛ لأن الميم تدل على الجمع، فكأن الداعي جمع قلبه على الله عز وجل.
وقوله:(«حَوَالَيْنَا»): أي: أنزله حوالينا، أي حوالي المدينة، وحوالي هنا ملحق بالمثنى؛ لأنه نصب بالياء بدلًا عن الفتحة؛ لأنه ملحق بالمثنى؛ حيث إنه لا يدل على اثنين بل على واحد، أي: حولنا.
(«وَلَا عَلَيْنَا») يعني ولا على المدينة التي خِيف أن تتهدم من كثرة الأمطار.