واستفدنا من قول المؤلف:(وصيه) أنه يجوز للميت أن يوصي بألا يغسله إلا فلان، والميت قد يوصي بذلك لسبب، مثل: أن يكون هذا الوصي تقيًّا يستر ما يراه من مكروه، أو أن يكون عالمًا بأحكام الغسل، أو أن يكون رفيقًا؛ لأن بعض الذين يغسلون الأموات يعاملونهم بشدة عند نزع ثيابه، تجده يعامله بعنف وكأنما يسلخ جلد شاة مذبوحة، نسأل الله العافية، فيوصي إلى شخص معين، فإذا كان الميت قد أوصى إلى شخص معين بأن يغسله فلان فهو أولى الناس بتغسيله، فإن لم يوصِ فسيذكره المؤلف.
ما هو الدليل على استفادة أولوية التغسيل بالوصية؟ لأن أبا بكر رضي الله عنه أوصى أن تغسله امرأته (٢١)، وأوصى أنس بن مالك أن يغسله محمد بن سيرين (٢٢).
ثانيا قال:(ثم أبوه، ثم جده، ثم الأقرب فالأقرب من عصباته)، هنا قدموا ولاية الأصول على ولاية الفروع، وفي باب الميراث تقدم الفروع على الأصول، وفي ولاية النكاح الأصول على الفروع؛ فهنا لو كان للشخص الميت أبٌ وابنٌ ولم يوص من يغسله منهما، فالأولى الأب:
أولًا: لأن الأب أشد شفقة وحنوًّا على ابنه من الابن على أبيه.
ثانيًا: لأن الأب في الغالب يكون أعلم بهذه الأمور من الابن لصغره، في الغالب مع أنه قد يكون العكس، قد يكون ابن الميت طالب علم وأبوه جاهلًا.
يقول:(ثم جده)، أي الجدين؛ من قبل الأب أو من قبل الأم؟ من قبل الأب، الجد من قبل الأب.
(ثم الأقرب فالأقرب من عصباته)، من الأقرب بعد الأب والجد؟ الأبناء، وإن نزلوا، ثم الإخوة وإن نزلوا، ثم الأعمام وإن نزلوا، ثم الولاء على هذا الترتيب، ومن المعلوم أن مثل هذا الترتيب إنما نحتاج إليه عند المشاحة، فأما عند عدم المشاحة كما هو الواقع في عصرنا اليوم، فإنه يتولى غسله من يتولى غسل عامة الناس، وهذا هو المعمول به الآن، تجد الميت يموت وفيه أناس مستعدون للتغسيل، يذهب إليه فيغسلونه.