للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاقتصار على الكراهة في هاتين المسألتين فيها نظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذلك؛ أي: عن تجصيصها وعن البناء عليها، والأصل في النهي التحريم، ولأن هذا وسيلة إلى الشرك، فإنه إذا بني عليها عُظِّمَت، وفي النهاية ربما تعبد من دون الله؛ لأن الشيطان يستجري بني آدم من الصغير إلى الكبير، ومن الكبير إلى الكفر، فالصحيح أن تجصيصها حرام، وأن البناء عليها حرام، وقد حاول بعض المتأخرين أن يقول: إن الفقهاء أرادوا بالكراهة هنا كراهة التنزيه، ولكن هذا غير مُسَلَّم؛ لأن هذا خلاف اصطلاحي.

كذلك أيضًا تكره الكتابة، الكتابة على القبر تكره، سواء كتب على الحصى المنصوب عليه، أو كتب على نفس القبر؛ لأن ذلك يؤدي إلى تعظيمه وتعظيم القبور.

وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن الكتابة مكروهة حتى ولو كانت بقدر الحاجة؛ أي: حاجة بيان صاحب القبر درءًا للمفسدة، وقال شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: المراد بالكتابة ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من كتابات المدح والثناء؛ لأن هذه هي التي يكون فيها المحظور، أما التي بقدر الإعلام فإنها لا تكره.

(يكره الجلوس والوطء عليه) أي: على القبر، الجلوس على القبر مكروه -على كلام المؤلف- كراهة تنزيه، والصواب أنه محرَّم؛ فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الجلوس على القبر، وقال: «لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَخْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَمْضِي إِلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى الْقَبْرِ» (٣٤)، وهذا يدل على التحريم والتحذير من ذلك.

كذلك الوطء عليه قال المؤلف: إنه مكروه، والصحيح أنه حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذلك (٣٥)، ولأنه امتهان لأخيه المسلم.

طالب: يروى في السير أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يدفن حمزة قال: «لَوْلَا خَوْفِي مِنْ غَضِبِ صَفِيَّةَ لَجَعَلْتُ السِّبَاعَ تَأْكُلُهُ» (٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>