للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهب بعض أهل العلم إلى كراهة الدفن كراهة تنزيه، أي كراهة دفن اثنين فأكثر دون التحريم، وقالوا: إن مجرد الفعل لا يدل على التحريم، أي مجرد كون المسلمين يدفنون كل جنازة وحدها لا يدل على تحريم دفن أكثر من واحدة، وإنما يدل على الكراهة كراهة مخالفة عمل المسلمين.

وذهب آخرون إلى أن إفراد كل ميت في قبر أفضل، والجمع ليس بمكروه ولا مُحَرَّم.

وهنا نقف لنقول: هل يلزم من ترك الأفضل أن يقع الإنسان في المكروه؟

طالب: لا.

الشيخ: لا يلزم مِنْ تَرْكِ السنة والأفضل أن يقع الإنسان في المكروه؛ لأن المكروه منهي عنه حقيقة، وترك الأفضل ليس بمنهي عنه، ولهذا لو أن الإنسان ترك راتبة الظهر مثلًا، هل نقول: إنه فعل مكروهًا؟ لا، ولو أنه لم يرفع يديه عند الركوع، هل نقول: إنه فعل مكروهًا؟ لا، ولكن ترك ما هو أفضل، فلا يلزم من ترك الأفضل الوقوع في المكروه.

فالأقوال ثلاثة الآن، ويترجح عندي -والله أعلم- أن القول الوسط، وهو الكراهة، كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- إلا إذا كان الأول قد دُفِنَ واستقر في قبره فإنه أحق به، فحينئذ لا يدخل عليه ثانٍ، اللهم إلا للضرورة القصوى، ولكن هنا لا ضرورة؛ لأن القبر قد دُفِنَ، جَمْعُ الاثنين فأكثر إنما ينفع إذا دُفِنَا جميعًا.

ثم قال المؤلف رحمه الله: (ويُجْعَل بين كل اثنين حاجزٌ من تراب)، يعني إذا جاز دفن اثنين فأكثر في القبر الواحد فإن الأفضل أن يُجْعَل بينهما حاجزٌ من تراب ليكونَا كأنهما منفصلان، ولكن هذا ليس على سبيل الوجوب، على سبيل الأفضلية.

قال: (ولا تُكْرَهُ القراءةُ على القبر)، القراءة على القبر لا تُكْرَه، ولها صفتان؛ الصفة الأولى أن يقرأ على القبر كأنما يقرأ على مريض، والثانية أن يقرأ على القبر، أي عند القبر ليسمع صاحب القبر فيستأنس به.

<<  <  ج: ص:  >  >>