للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حج ونوى ثوابه لشخص ينفعه، إن كان ميتًا ففعله الطاعة عنه قد يكون متوجهًا؛ لأن الميت محتاج، ولا يمكنه العمل، لكن إن كان حيًّا وهو قادر على أن يقوم بهذا العمل ففي ذلك نظر؛ لأنه يؤدي إلى اتكال الحي على هذا الرجل الذي تقرَّب إلى الله عنه، وهذا لم يُعْهَد عن السلف؛ لا عن الصحابة، ولا عن السلف الصالح، إنما الذي عُهِدَ منهم هو جَعْلُ القرب للأموات، أما الأحياء فلم يُعْهَد، اللهم إلا ما كان فريضة كالحج، فإن ذلك عُهِدَ على عَهْدِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لكن بشرط أن يكون المحجوج عنه عاجزًا عجزًا لا يُرْجَى زواله.

فإذا قال قائل: ما هو الدليل على أن ذلك نافع؟

قلنا: الدليل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (٢)، فأنا نويت أن أتقرب إلى الله لفلان، فليأتِ إنسان بالدليل على المنع.

ثانيًا: أن بعض هذه المسائل وقع في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأجازها، فمن ذلك أن سعد بن عبادة رضي الله عنه تصدق ببستانه لأمه التي ماتت، فأجازه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وكذلك في حديث عائشة رضي الله عنها: أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن أمي افتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وإنها لو تَكَلَّمَتْ لتَصَدَّقَتْ، أفأتصدق عنها؟ قال: «نَعَمْ». (٣)

وكذلك عمرو بن العاص رضي الله عنه، سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل يتصدق عن أبيه بعتق خمسين رقبة؟ لأن أباه أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة، فتصدق أخو عمرو بخمسين أعتقها، وعمرو سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيعتق الخمسين الباقية، فبَيَّنَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم له أنه لو كان أبوه مسلمًا لنفعه، فترك العتاق لأنه كافر، والكافر لا ينتفع بعمل غيره، حتى عمله الذي عمله من خير يقول الله فيه: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: ٢٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>