للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ: ويجوز البكاء على الميت؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكى على ابنه إبراهيم، وقال: «الْعَيْنُ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبُ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا -أَوْ قَالَ: الرَّبَّ- وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» (١٩)، وبكى عند قبر إحدى بناته وهي تُدْفَن.

ولكن هذا في البكاء الذي تمليه الطبيعة، ولا يتكلفه الإنسان، فأما الدعاء المتكلَّف فأخشى أن يكون من النياحة التي يُحْمَل عليها قول النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» (٢٠)، «إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ» يعني في قبره، «بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ»، فإن هذا الحديث صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد اختلف العلماء في تخريج هذا الحديث، وقالوا: كيف يُعَذَّبُ الإنسان على عمل غيره، وقد قال تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤]، ولأن تعذيب الإنسان بعمل غيره ظلم له؛ فإنه عقوبة لغير الظالم بفعل الظالم، وهذا ينافي عدل الله وحكمة الله عز وجل، فكيف يكون هذا الأمر؟

وأجيب بأجوبة، منها: أن هذا في حق مَن أوصى به، أي قال لأهله: إذا مِتُّ فابكوني.

وقيل: هذا في حق مَن كانت عادتهم، أي من كان في قوم عادتهم البكاء ولم ينهَ أهله عنه، فيكون كأنه أَقَرَّهُم على ما اعتاده الناس من هذا الأمر.

وقيل: إن هذا في الكافر يعذَّب ببكاء أهله عليه.

وقيل: إن التعذيب ليس تعذيب عقوبة، ولكنه تعذيب ألم، تعذيب مَلَلٍ وشبهه، ولا يلزم من التعذيب الذي من هذا النوع أن يكون عقوبة، ويشهد لذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ» (٢١)، مع أن المسافر لا يعاقَب، لكنه يهتم للشيء ويتألم به، فهكذا الميت يعلم ببكاء أهله عليه فيتألم ويتعذب رحمةً بهم، وكونهم يبكون عليه، وليس هذا من باب العقوبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>