وأما أثر عثمان -رضي الله عنه- فإننا نُسلِّم أنه إذا كان على الإنسان دين حال، وقام بالواجب وهو أداؤه فليس عليه زكاة؛ لأنه سيؤدي من ماله، وسَبْقُ الدَّيْن يقتضي أن يُقدَّم في الوفاء، سبق الدين على الزكاة؛ لأن الزكاة متى تجب؟
طلبة: عند تمام الحول.
الشيخ: إذا تم الحول، والدَّيْن سابق، فكان لسبقه أحق بالتقديم من الزكاة.
ونحن نقول لمن اتقى الله وأوفى ما عليه: لا زكاة، عليك إلا فيما بقي، أما شخص لا يوفي ما عليه، ويماطل وينتفع بالمال، ثم نقول: هذا الدَّيْن اللي عليك يُسقط الزكاة، فهذا لا يتطابق مع الأثر.
وأما الدليل النظري: أن الزكاة وجبت مواساة، فنحن:
أولًا: نمانع في هذا الشيء، أهم شيء في الزكاة ما ذكره الله عز وجل:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}[التوبة: ١٠٣]، أنها عبادة يطهر بها الإنسان من الذنوب، فإن «الصّدَقَة تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ»(٥). وتزكو بها النفوس، ويشعر الإنسان فيها إذا بذلها بانشراح صدر واطمئنان قلب، فليس المقصود من الزكاة المادة فقط، ثم على فرض أن من أهدافها المواساة فإن هذا لا يقتضي تخصيص العمومات؛ لأن تخصيص العمومات معناه إبطال جانب منها، وهو الذي أخرجناه بالتخصيص، وإبطال جانب من مدلول النص ليس بالأمر الهين، الذي يقوى عليه عِلَّة مستنبطة قد تكون عليلة، وقد تكون سليمة، وقد تكون حية، وقد تكون ميتة، نعم، لو نص الشارع على هذا لكان للإنسان مجال أن يقول: إن المدِين ليس أهلًا للمواساة هو يحتاج من يواسيه.
وأما حاجة المدين، فحاجة المدين على العين والرأس، وعلى الرحب والسعة، هو أحد الأصناف الذين تُدفع إليهم الزكاة؛ لقضاء حاجتهم، في أي صنف؟
طلبة: في الغارمين.
الشيخ: في الغارمين، ونقول: نحن نقضي دَيْنَك من الزكاة، أنت تعبَّد الله بأداء الزكاة، ونحن نقضي دينَك منها.