وقال آخرون ممن لا يرون المسح على الجبيرة: إنه لا يتيمم؛ لأنه عجز عن غسل هذا العضو فسقط كسائر الواجبات، وهذا أضعف الأقوال أنه يسقط الغسل إلى غير تيمُّم، ولا مسح؛ لأننا نقول: العضو موجود، ليس بمفقود حتى يسقط فرضه، أما لو قُطعت اليد صح، يسقط الفرض؛ فالعضو الآن موجود عجز عن التطهر بالماء فيه، فيتطهر ببدله.
وربما يعمّه قوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}[المائدة: ٦]، فإن هذا مريض، فإن الكسر أو الجرح نوع من المرض، ولكن عندما نقول: إنه لا بد من التيمم أو المسح، أيهما أقرب إلى الطهارة بالماء؟ المسح؛ لأنه طهارة بالماء، وذاك مسح طهارة بالتراب، ثم إن التيمم أيضًا قد يكون في غير محل الجبيرة؛ لأن التيمم في الكفين والوجه فقط، والجبيرة قد تكون في الذراع، قد تكون في العضد، قد تكون في الساق، وقد تكون في الفخذ، وقد تكون في البطن، ممكن، فأقرب الأقوال هذه الثلاثة هو: جواز المسح عليها، ولكن هل يجمع بين المسْح والتيمم؟
قال بعض أهل العلم: نعم، يجب الجمع بين المسْح والتيمم احتياطًا. ولكن الصحيح: أنه لا يجب الجمع بينهما؛ لأن القائلين بوجوب التيمم لا يقولون بوجوب المسح، ولا العكس، وكوننا نُوجب طهارتين لعضو واحد خلاف القواعد الشرعية ولَّا لا؟ لأنه يجب تطهير هذا العضو إما بكذا وإما بكذا.
أما أن نُوجب تطهيره بطهارتين فهذا لا نظيرَ له في الشريعة، ولا يُكلِّف الله تعالى عبدًا بعبادتين سببهما واحد، ولكن مع هذا يقول العلماء -رحمهم الله-: إن الجرح ونحوه إمَّا أن يكون مكشوفًا أو مستورًا.
فإن كان مكشوفًا فالواجب غسله بالماء، فإن تعذَّر فمسح الجرح نفسه، فإن لم يمكن ولا المسح؛ تعذَّر حتى المسح فالتيمم، وحينئذٍ يكون للجرح أو الكسر المكشوف كم حالة؟