ثم قال المؤلف:(والزكاة كالدَّيْن في التركة)؛ يعني: إذا مات الرجل وعليه زكاة، فإن الزكاة كالدَّيْن لا يستحق الوارث شيئًا إلا بعد أداء الزكاة، فإذا قدرنا أن رجلًا لزمه عشرة آلاف زكاة، ثم تلف ماله إلا عشرة آلاف، ومات وخلف عشرة آلاف فقط فإلى أين تصرف هذه العشرة؟
طالب: في الزكاة.
الشيخ: تصرف في الزكاة، ولا شيء للورثة، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«اقْضُوا اللَّهَ فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ»(٣). فعلى هذا تكون الزكاة مقدمة على الوصية وعلى الإرث.
وهذا فيما إذا كان الرجل لم يتعمَّد تأخير الزكاة، فإننا نُخرجها من تركته، وتُجزئ عنه، وتبرأ ذمته، كرجل يزكي كل سنة، وتم الحول في هذه السنة التي هي آخر سنواته في الدنيا، ثم مات، فور تمام الحول، فهنا نخرج الزكاة من ماله، وتبرأ بها ذمته.
أما إذا كان الرجل قد تعمد ترك إخراج الزكاة، وقال: الزكاة متى سهل الله أخرجتها، وما أشبه ذلك، المهم منعها بخلًا، ثم مات، فهل تُخرج من تركته وتبرأ بها ذمته.
يقول ابن القيم رحمه الله: إنها لا تبرأ منها ذمته، ولو أخرجوها من تركته؛ لأن الرجل مُصِرٌّ على عدم الإخراج، فكيف ينفعه عمل غيره؟ وقال: إن نصوص الكتاب والسنة أو قواعد الشرع تدل على هذا.
وما قاله -رحمه الله- صحيح في أنه لا يجزئ ذلك عن ذمته، ولا تبرأ بها ذمته ما دام الرجل مُصِرًّا حال حياته على عدم الإخراج.
ولكن كوننا نسقطها عن المال، هذا محل نظر؛ فإن غلبنا جانب العبادة، قلنا: لا نخرجها من المال؛ لأنها عبادة لا تنفع صاحبها، وإن غلبنا جانب الحق؛ أي: حق أهل الزكاة، قلنا: نخرجها؛ نؤدي حقهم، وإن كانت عند الله لا تنفع صاحبها.
وهذا أحوط، أننا نخرجها من تركته؛ لتعلق حق أهل الزكاة بها، ولكنها لا تنفعه عند الله؛ لأن الرجل مُصِرٌّ على عدم إخراجها، واضحة الآن؟
إذن إذا مات الإنسان وعليه زكاة؛ فالزكاة حكمها حُكم الدَّين في أنها تُقدم على الوصية وعلى الورثة.