للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقولون: لأن بعض أهل العلم قال: إنه يكون طاهرًا غير مطهِّر، فيرى أن هذا التغير يسلبه الطهورية، انتبه، فصار التعليل الآن بماذا؟ التعليل بالخلاف؛ يعني: لو سألك سائل: أنت الآن تقول: إنه إذا تغير بغير ممازج فإنه يكره؛ يعني: هو يكون طهورًا ولَّا طاهرًا؟ يكون طهورًا يطهر؛ يزيل النجاسات ويرفع الأحداث، إذا كان طهورًا لماذا كرهته؟

قال: لأن العلماء اختلفوا فيه؛ فذهب بعضهم إلى أنه في هذه الحال يكون طاهرًا غير مطهِّر، فمن أجل هذا الخلاف قلنا: إنه يكره، فعللوا بالخلاف.

ولكن الصواب: أن التعليل بالخلاف عليلٌ ولا يستقيم، ومعنى (عليل) يعني: مريض بالخلاف، التعليل بالخلاف لا يصح؛ لأننا لو قلنا بذلك لكرهنا مسائل كثيرة في أبواب العلم؛ لأن الخلاف في مسائل العلم كثير ولَّا قليل؟ كثير جدًّا، ولو قلنا: كلما وجدنا خلافًا في مسألة قلنا: إنها مكروهة، لكان كثير من مسائل العلم تكون مكروهة؛ لوجود الخلاف فيها، وهذا لا يستقيم.

إذن فالتعليل بالخلاف ليس علة شرعية، ولا تقبل، ولا نقول: خروجًا من الخلاف؛ لأن الخروج من الخلاف هو معنى التعليل بالخلاف، بل نقول: إذا كان لهذا الخلاف حظ من النظر وكانت الأدلة تحتمله، فنحن نكرهه؛ لا لأن فيه خلافًا، ولكن لأن الأدلة تحتمله، فيكون تركه من باب «دَعْ مَا يَرِيبُك إِلَى مَا لَا يَريبُكَ» (١٨).

أما إذا كان خلافًا لا حظَّ له من النظر، فلا يمكن أن نعلل به المسائل، ونأخذ منه حكمًا.

وَلَيْسَ كُلُّ خِلَافٍ جَاءَ مُعْتَبَرَا

إِلَّا خِلَافًا لَهُ حَظٌّ مِنَ النَّظَرِ

ما كل خلاف يعتبر، والحاصل هذه قاعدة مفيدة من قواعد الأصول: أن التعليل بالخلاف عليلٌ لا يقبل، لماذا؟ لأن الأدلة ما تثبت إلا بدليل، من قال لنا: إن مراعاة الخلاف دليل شرعي تثبت به الأحكام، ويقال: هذا مكروه، أو غير مكروه، من قال ذلك؟

<<  <  ج: ص:  >  >>