وهذا يدل على أن الأمر للفورية، وكذلك أيضًا أن الإنسان لا يدري ما يعرض له، فهو إذا أخر يكون مخاطرًا، فقد يموت ويبقى الواجب بذمته، وإبراء الذمة واجب، فهذا دليل الوجوب على الفور، لكن المؤلف اشترط قال:(مع إمكانه)(إمكان) أيش؟ إمكان الإخراج، فإذا لم يمكن فإنه لا يلزمه كما لو كان ماله غائبًا فإنه لا يلزمه أن يُخرج، من أين يخرج؟ وكما لو كان له دين في ذمة موسر أو في ذمة معسر، وقلنا بوجوب الدين في ذمة المعسر، وهو الآن ليس بيده، فإنه لا يلزمه الإخراج لعدم إمكانه.
وهل من ذلك إذا وجب على المرأة زكاة الحلي، وليس عندها دراهم؟ هل يدخل في قوله:(مع إمكانه)؟ أو نقول: إن هذا ممكن؟
نقول: هذا ممكن، بماذا؟ بأن تبيع منه مقدار الزكاة، وتُخرج الزكاة ما لم يتبرع لها زوجها أو أحد من أقاربها بالزكاة فلا بأس، وإلا فيجب عليها أن تبيع منه، لكن النساء يقلن: إذا أوجبتم علينا أن نبيع من الحلي لإخراج زكاته انتهى حلينا لم يكن عندنا شيء، وهذا مما نحتاجه بنص القرآن:{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}[الزخرف: ١٨].
نقول: هذا غير وارد، هذا الإيراد غير وارد؛ لأنه ينقطع الوجوب إذا نقص الحلي عن النصاب، فمثلًا إذا كان عندها ثمانون جرامًا من الذهب فليس عليها زكاة، فكيف تقول: إنكم إذا ألزمتموني بإخراج الزكاة من الحلي نفد؟ نقول هنا: لا ينفد، تصبحين الآن فقيرة، والفقيرة يكفيها من حلي الذهب ثمانون جرامًا.
يقول:(يجب على الفور مع إمكانه) ذكرنا الدليل، وذكرنا التعليل، هناك أيضًا علة أخرى، وهي دعاء الحاجة إلى التقديم؛ لأن حاجة الفقير تحتاج إلى من يدفعها، فإذا أمهلنا في إخراج الزكاة بقي الفقراء في حاجة، فما دامت الزكاة من فوائدها دفع حاجة الفقير فإن المبادرة واجبة.