وهنا قَيَّد المؤلف رحمه الله الكفر بأن يكون عارفًا بالحكم، فعُلِمَ من كلامه أنه لو جَحَد وجوبَها جاهلًا بالحكم فإنه لا يَكْفُر؛ لأن الجهل عُذْرٌ بالكتاب والسُّنَّة وإجماع المسلمين في الجملة يعني: لا بكل الصور لقول الله تبارك وتعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}[الإسراء: ١٥] أي: رسولًا يُعَلِّمُ الناس ويُبَيِّن لهم، كما قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}[إبراهيم: ٤]، وقال الله تعالى:{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} إلى قوله: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[النساء: ١٦٣ ـ ١٦٥]، فدلَّ هذا على أنه لو لم يُرسَل رسلٌ إلى الخلق فلهم حجة على الله؛ لأنهم معذورون، وقال الله تبارك وتعالى في قريش أنهم قالوا:{لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى}[طه: ١٣٤]، وقال تعالى:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ}[القصص: ٥٩].
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»(١)، والنصوص في هذا كثيرة؛ أن الجهل عذر.