فإن كان جاهلًا وأخبرْناه وعلمنْاه وبيَّنا له النصوص وأصرَّ على ما هو عليه، فحينئذٍ يكون: كَفَرَ عالِمًا بالحُكْمِ.
وبناءً على ذلك يتبين لنا أنه لا يُشترط الإقرار بالحكم، إذا بلَغَهُ الحكم على وجه واضح بَيِّن فقد قامت عليه الحجة سواء أقرَّ أو أنكر، حتى لو أنكر قال: أنا ما أرى وجوب هذا الشيء فإنه لا ينفعه ولا يرفع عنه الحكم، وإلَّا لكان فرعون الذي أنكر رسالة موسى مع إقراره بها في باطن نفسه لكان مؤمنًا محِقًَّا، وليس كذلك، فالشرط هو البلوغ على وجه يتبيَّن به الأمر، فإذا بَلَغَتْ الإنسان الحجة على وجه يتبين به الأمر فإن إقراره بها ليس بشرط، يُحكَم بكفره ولو لم يُقِرَّ بها؛ قال:(كفر عارف بالحكم).
وإذا أخبرناه وأصرَّ على أنها ليست بواجبة لكنه يخرِجُها قال: أخرجها على أنها تطوع، يكْفُر أو لا يكفر؟
يكفر وعلى هذا فقول المؤلف:(ومن منعها جحدًا لوجوبها) ليس قيدًا في الحكم؛ لأن المدار على الجحود، فإذا جَحَد الوجوب وهو عارف بالحكم فإنه يكفر سواء أخرجها أم لم يخرجها.
وبهذه المناسبة أود أن أَذْكُر كلامًا للإمام أحمد رحمه الله حين قيل له: إن فلانًا يقول في قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}[النساء: ٩٣]، فلما قيل له إن فلانًا يقول: هذا فيمن استحل قتل المؤمن تبسم وقال: إذا استحل قتل المؤمن فهو كافر، سواء قتل أم لم يَقْتُل، فتبقى الآية لا فائدة منها؛ لأن الآية عَلَّقت الحكم على وصف دون هذا الوصف الذي ذكره هذا القائل وهو الجحود؛ عَلَّقَتْ الحكم على وصف القتل، أما إذا استحل فهو كافر سواء قتل أم لم يقتل.