الظاهر أن نأخذ بأيسرهما؛ لأن ما زاد على الأيسر مشكوك فيه، والأصل احترام مال المسلم، فنأخذ بالأيسر، نعم لو أن الناس انهمكوا في هذا وتمردوا ومنعوا الزكاة ورأى ولي الأمر أن يأخذ بالاحتمال الآخر فيأخذ نصف المال كله لكان له مساغ، ودليل ذلك تضعيف عمر بن الخطاب رضي الله عنه عقوبة شارب الخمر حيث زاد فيها إلى أخفِّ الحدود ثمانين (٥).
ثم قال المؤلف رحمه الله:(وتجب في مالِ صَبِيٍّ ومجنون).
(تَجِب) الضمير يعود على الزكاة.
(في مال صبي ومجنون) وقد سبقت الإشارة إليه، حيث ذكرنا في شروط وجوب الزكاة الإسلام، ولم نشترط البلوغ ولا العقل؛ وذلك لأنها واجبة في المال، فهي من جهة أنها تكليفِيَّة وعبادة يُرَجَّح فيها جانب السقوط، كما قال به بعض العلماء: أنها لا تجب في مال الصبي والمجنون؛ لأنهما غير مكلَفين، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ» منهم: «الصَبِيُّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَالْمَجْنُونُ حَتَّى يُفِيقَ»(٦)، ولكن الصحيح أنها واجبة في المال، وأنها تجب في مال الصبي والمجنون، كما يجب عليهما ضمان متلَفِهما، يعني: أن المجنون أو الصبي لو أتلف شيئًا وجب عليهما ضمانه؛ لأنه حق آدمي، ولو أفسدا عبادة لم يجب عليهما شيئًا؛ لأنه حق عبادة، حق لله.
فهنا نقول: الزكاة فيها شائبة حق للآدمي؛ لقوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ}[التوبة: ٦٠]، وفيها أيضًا شائبة أنها تجب في المال؛ لقوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}[التوبة: ١٠٣]، وقوله:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ}[المعارج: ٢٤]، وقوله لمعاذ:«أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ»(٧)، فالراجح أنها تَجِب في مال الصبي والمجنون، ولكن مَنْ يُخرجها؟