وأما النظر؛ فلأن إخراج المال يكون للزكاة الواجبة وللصدقة المستحبة، ويكون هدية، ويكون ضمانًا لمُتْلَفٍ إلى غير ذلك، ولا يحدد نوع الإخراج إلَّا النية؛ فلهذا لا بد من نية في إخراج الزكاة، فينوي الزكاة عن ماله المعين؛ إن كان عروض تجارة فينويها عروض تجارة، إن كان من النقدين ينويها عن النقدين، من الماشية كذلك، المهم ينوي الزكاة عن هذا المال المعين، والدليل ما سمعتم من الأثر والنظر.
وبناءً على ذلك لو أن رجلًا أخرج الزكاة عن آخر بدون توكيل فإنها لا تُجزئ؛ لعدم وجود النية ممن تجب عليه.
وظاهر ما قلنا أنه وإن أجاز ذلك مَنْ تجب عليه فإنه لا يجزئ، وقيل: إذا أجازها من تجب عليه فلا بأس.
أما القول الأول فدليله: أن النية إنما تكون ممن خُوطِب بها، والدافع قبل أن يُوَكَّلَ ليس أصلًا ولا فرعًا، فلا تجزئ حتى وإن أجازها؛ لأن النية لا بد أن تقارِن الفعل.
وأما الثاني الذي يقول: إذا أجازها مَنْ تجب عليه أجزأت فيستدل بأن النبي صلى الله عليه آله وسلم أجاز دفع أبي هريرة المال للذي جاءه وادَّعى أنه فقير وذو عِيال (١٣)، مع أن أبا هريرة إنما هو وكيل في الحفظ فقط، وليس وكيلًا في التوزيع، فأجازه النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ وهذا أقرب، ولكن الأول أحوط، أن لا تَدفع الزكاة عن شخص إلَّا بعد استئذانه؛ حتى تبرأ ذمته بيقين.
قال:(والأفضل أن يفرقها بنفسه) لا تجزئ إلَّا بنية، لو فرضنا أن الرجل امتنع من إخراج الزكاة بُخلًا كما سبق وأُخِذَت منه، فهل تجزئه فيما بينه وبين الله؟
ذكرنا فيما سبق أنها لا تجزئه، لكنها تجزئه ظاهرًا، بمعنى أنه لا يحِقُّ للإمام أن يطالبه بها مرة أخرى.
(والأفضل أن يُفَرِّقَها بنفسه) هذا هو الأفضل، (أن يفرقها بنفسه) بمعنى: أنه هو الذي يباشر، يقول:(الأفضل أن يفرقها بنفسه) وذلك لوجهين:
الوجه الأول: أن ينال أجر التعب في تفريقها؛ لأن تفريقها عبادة فيُثاب عليه المرء.