الأول: أنه أَيْسَر للمكلف، أيسر من أن يحمِلَها من بلده إلى بلد آخر.
والثاني: أنه أقلُّ خوفًا؛ لأن في السفر بها عُرْضَة لتلفها.
والثالث: أن أهل البلد أقرب الناس إليك، والقريب له حقٌّ، الأقربون أَوْلَى بالمعروف.
والرابع: أن الفقراء في بلدك تتعلق أطماعهم بك؛ بما عندك من المال، والأبعدون ربما لا يعرفون عنك شيئًا، فصاروا هم أَوْلَى بالإِعْطاء.
والخامس: أنك إذا أعطيتَ أهل بلدك بذرْتَ بينك وبينهم بذرة المودة والمحبة، ومعروف أن ما يقع من المحبة بين أهل البلد الواحد له أثر كبير في التعاون فيما بينهم، بخلاف ما لو كان إلى بلد أجنبي.
وقوله:(الأفضلُ إخراجُ زكاة كل مال في فقراء بلده) يدلُّ على أنَّه لو أخرجها في غير فقراء البلد فهو جائز لكنه مفضول، وإذا كان جائزًا ولكنه مفضول فيجب أن نعلم أنه لو كان الفقراء الذين خارج بلده أحوج أو كانوا من أقاربه فهم أَوْلَى، لكن يجب أن نعلم أن هذا فيما إذا كان البلد قريبًا من بلدك، لا يُسَمَّى السَّيْرُ إليه سفرًا.
أما إذا كان بعيدًا فقد قال المؤلف:(ولا يجوز نقلُها إلى ما تَقْصُر فيه الصلاة)؛ يعني: لا يجوز نقلُها إلى بلد بينك وبينه مسافة قَصْر، وهي على المذهب -أعني مسافة القَصْر- محددة بثلاثة وثمانين كيلو تقريبًا، فالبلد الذي بينك وبينه ثلاثة وثمانين كيلو لا يجوز أن تنقل زكاة مالك إليه، ولو كان الفقراء الذين فيه أشد حاجة، ما دام بلدك فيه مَنْ يستحق الزكاة فإنه لا يجوز أن تنقلها إلى بلد آخر، وظاهر كلام المؤلف: لا يجوز ولو لمصلحة أو شدة ضرورة أو قرابة، أو ما أشبه ذلك.
فتبين بهذا أن هناك ثلاثة مواضع: بلدك، البلد القريب الذي دون المسافة، البلد البعيد الذي فوق مسافة القَصْر.
فالأول هو الأصل -أعني بلدك- وهو الأفضل أن تُفَرِّقَ زكاتك فيه.
والثاني جائز، لكنه مفضول ما لم يترجَّح لمصلحة أخرى.
والثالث: غير جائز، لا يجوز نقلها إلى ما تُقْصَر فيها الصلاة.