للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا من العلماء من رجح حديث طلق بن على وقال: إن مس الذكر أو مس الفرج مطلقًا لا ينقض الوضوء، سواء كان لشهوة أو لغير شهوة، وأعلوا هذا الحديث -حديث بسرة- بأنه ضعيف، وأن حديث طلق بن على أحسن منه.

ومن العلماء من قال: إنه لا ينبغي أن نرجح بين الحديثين؛ لأنه يمكن الجمع، وإذا أمكن الجمع بين الدليلين وجب المصير إليه قبل الترجيح والنسخ، وهذا صحيح ولَّا لا؟

طلبة: صحيح.

الشيخ: لأننا إذا جمعنا بين الدَّليلين فقد عملنا بهما جميعًا، لكن إذا رجحنا فقد ألغينا أحدهما، والعمل بهما مع إمكانه أوجب، كيف نجمع؟

قالوا: نجمع؛ إما بأن نحمل حديث بسرة وما شابهه على ما إذا كان لشهوة، وحديث طلق بن علي على ما إذا كان لغير شهوة.

قالوا: والتعليل «إِنمَّا هو بَضْعَة منك» يدل على هذا الحمل، فإنك إذا مسَسْتَ ذَكَرَكَ كما تمس سائر أعضائك بدون أي تحرُّكِ، صار كأنما مسست ساقك أو رجلك أو رأسك، أو ما أشبه ذلك، وحينئذٍ؟

طالب: لا ينتقض.

الشيخ: فلا ينتقض الوضوء، أما إذا مَسَسْتَه لشهوةٍ فإِنَّه ينتقض؛ لأن العِلَّة -وهي احتمال خروج شيء ناقض من غير شعور منك- موجودة، فيقول: إذا مسَّه لشهوةٍ وجب الوُضُوء، وإِذا مسَّه لغير شهوة لم يجب.

قالوا وهم يحاجُّون الحنابلة: ولنا عليكم أصل، وهو أنكم قلتم: إن مس المرأة لغير شهوة لا ينقض، ومسها لشهوة ينقض؛ لأنه مظنَّة الحدث.

أو يجمع بينهما بوجه آخر فيقال: إن حديث بُسْرة الأمر فيه للاستحباب، وحديث طَلْق الأمر فيه للوجوب، هو سأل عن الواجب؛ أعليه الوضوء؟ كلمة (على) ظاهرة في الوجوب، فبيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا وضوء عليه، وعلَّل بأنه بضعة، وعلى هذا، فإذا كان مسه إياه لغير شهوة فإن الوضوء مستحب، أخذًا بعموم حديث من؟ بسرة، وإذا كان لشهوة فإنه يجب الوضوء، أخذًا بالتعليل؛ «إِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْكَ».

<<  <  ج: ص:  >  >>