الشيخ:(بِمَا يَنْقُصُهَا)، فإن قال قائل: كيف تُؤَثِّمُونه بِمَا يَنْقُصُهَا، وقد أَقَرَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر حينما تصدق بجميع ماله، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم:«مَاذَا تَرَكْتَ لِأَهْلِكَ؟ »، قال: تركت لهم الله ورسوله، فأقرَّه النبي عليه الصلاة والسلام، وكيف تقولون ذلك، أي التصدق بِمَا يَنْقُصُهَا إثم، مع أن الله امتدح الذين {يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحشر: ٩]؟ وكيف تقولون ذلك وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصاري الذي قدَّم الضيف على نفسه وأهله، قال:«إِنَّ اللهَ عَجِبَ مِنْ صَنِيعِكُمَا الْبَارِحَةَ»(١٣)، والقصة مشهورة، الضيف جاء إلى الأنصاري وليس عنده إلَّا طعام أهله، فقال لزوجته: أطفئي المصباح إذا قدَّمتِ العَشاء، أطفئي المصباح وأريه أننا نأكل معه؛ لِئَلَّا يخجل، وهما لا يأكلان معه، لكن لِئَلَّا يخجل.
فهذه الأدلة تدل على أنه لا يأثم الإنسان بما يَنْقُص المَؤُونة؛ مَؤُونة نفسه وعياله؟
فالجواب عن ذلك يقال: إذا كان الإنسان قد عَرَف من نفسه الصبر والتوكل، وعنده ما يستطيع أن يُحَصِّل به، فهذا لا حرج عليه إذا تصدق بما يَنْقُص مَؤُونته، أما إذا كان لا يعرف من نفسه الصبر والتوكل وإخلاف ما أنفق، فإن الأمر كما قال المؤلف، مثل لو فرضنا أنه إذا تصدق بما يَنْقُص مَؤُونته خرج من الباب الثاني ليتكفَّفَ الناس، هذا لا يجوز.
لكن إذا علم أنه إذا تصدق بما يَنْقُص مَؤُونة أهله خرج من الباب الثاني ليشتغل، يبيع ويشتري، كما كان أبو بكر رضي الله عنه يفعل، فإن ذلك لا بأس به، أما مسألة الضيف فقد يقال: إن أهله قد رضوا بذلك، أهل الأنصاري رضوا بهذا وصبروا، وإكرام الضيف ليس تطوعًا، بل هو واجب، فيدخل في الواجب.